لعبة الطرابيش

لعبة الطرابيش
الرابط المختصر

مهما كانت شخصية رئيس الحكومة المنتظر أو أية شخصية تُنصَّب فلم ولن يخرج عن إطار الأردنيين العشرة المبشرين بالجنة ، المسألة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير بشخصية من سيأتي رئيسا للحكومة ، بالضبط كما هي الحال في غيره من المناصب العليا ، فالمسألة لن تتعدى تغيير الطرابيش ، فتارة أسود وتارة أخضر، في حين يبقى الأحمر كرت الحَكَم لإخراج اللاعب من الملعب ، وهكذا هي قراراتنا .

سألني ابني صلاح ذو الرابعة عشرة من العمر مَن هو الرئيس المنتظر؟ فأجبته بصيغة السؤال نفسه؛ ومَن تعتقد ؟ فقال: أنا لا أعرف إلا "عدد أسماء البررة" فقلت ، ولِمَ هؤلاء ؟ ، قال: لَمْ أر غيرهم منذ أن وعيت ، فقلت له: لست وحدك، بل الشعب الأردني بأسره الذي كُتِبَ عليه أن يكون -هؤلاء- هم قدره المحتوم . كُلّ يلبس طربوش الآخر ويستبدل مكانه، وكأني بهم يجتمعون ليتقاسموا الأدوار . فقال لي صلاح: أين دور مجلس النواب؟ فقلت: ومَنْ يُسيطر على قرار المجلس الآن وغدًا وبعد غدٍ ، أليسوا هُم من تَعوّدنا عليهم، مثلهم مثل هؤلاء البررة ، فهناك يا ولدي بررة للنواب وهناك بررة لأجهزة الدولة، وهناك بررة لجني المال والنفوذ، وهناك بررة .. ولِكُلٍ مصلحة عند الكل، بشبكة معقدة ، مَن دخلها التفّ عليه العنكبوت وأجهز عليه بخيوطه . قال صلاح متسائلا: ما الحل ؟. فقلت : المطلوب أن تكون في حالك ، ضعيفة قواك ، قصيرا لسانك ، خافتا صوتك ، بحيث لا يعلو أصواتهم، ولا تمتد قامتك فوق قاماتهم ، تسْكر إن سكروا ، وتجوع لأجل أن يشبعوا ، جَهْدَك لأجلهم وخراجك لخزائنهم ، تسكت على أخطائهم ، وتستوعب ظلمهم وتقبله ، فهم أسيادك الذين لا يقبلون منك إلا الخنوع . فقال صلاح منرفزا : أأسيادنا في الجاهلية أسيادنا في الاسلام!، فقلت : سبحان الله رب العالمين الذي بعث رسولا من أنفسنا ليخرجنا من الظلمات إلى النور.

المؤشرات التي بدأت تَهلُّ علينا لا تُبشر ، بأننا مقبلون على واقع إصلاح حقيقي ومرحلة جديدة تنبئ بالتفاؤل والتقدم والاقتراب من المواطن ، التي طبّلنا وزمّرنا لها كثيرا.

حيث حملت عناوين شخصيات رفضها الشعب ، من المفروض ألا يكونوا مقبولين عند مجلس النواب الذي هو ممثل للشعب وإرادته

الهيمنة على قرار إرادتنا بالمال والسلطة والوعود الرنانة خطفت منا الحلم الجميل . حلم نرى فيه تجربة ديمقراطية ، في مجتمع عشائري ، و مؤسسات مستقلة تدير عملية التنظيم بكل شفافية ووضوح واقتدار ، تجربة تعيد الثقة بمؤسسات الدولة لا أن تعمقها وتشرخها .

القضية ليست في مَن يفوز أو مَن يرسب وليست في من يكون رئيسا لمجلس النواب أو مجلس الوزراء ، بل في مضمون التجربة الجديدة ومضامين هذه المرحلة التي يجب أن يشعر المواطن أن لها مقدماتها ومقوماتها ونتائجها التي لا بد وأن تُقنع المواطن أنه أمام تجربة تؤسس لبناء مسيرة إصلاحية رحبة صادقة تُمَكِّننا من معالجة تحدياتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية .

لن يُغيّر الرئيس القادم شيئا ولن يُبدّل، سواء كان من داخل المجلس أم من خارجه ، ما دُمْنا متمسكين بالتفكير نفسه ومعتمدين على الذين رفضهم المجتمع أنفسهم وثار ضدهم وطالب برحيلهم ، وكيف سيقتنع المواطن بالاصلاح وعناوينه المنمقة وهو يشاهد هذا الاغتراب وهذا التناقض ؟

لا تتأمل يا ولدي صلاح ؛ فالطربوش القادم طربوش من بين الطرابيش المصفوفة في الفترينة ، سيُمسح عنه الغبار ويُلمّع ليكون قدرنا المنتظر

العرب اليوم

أضف تعليقك