لا طرد ولا سحب.. بأي شروط؟

لا طرد ولا سحب.. بأي شروط؟
الرابط المختصر

ألقى رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، في مجلس الوزراء أول من أمس، خطابا مؤثرا حول ما يجري في غزة، دان فيه وبأشد العبارات العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، ووصف إسرائيل بالعدو.

لكن الخطاب لم يكن لأجل تأكيد الموقف الأردني المعلن سابقا، وإنما للرد على مطالب شعبية ضاغطة بسحب السفير الأردني من تل أبيب، وطرد الإسرائيلي من عمان "المطلبان يقدمان مجتمعين أحيانا أو منفردين".

النسور اهتم بتفنيد حجج الداعين إلى سحب السفير الأردني، ولم يتوقف عند مطلب طرد السفير الإسرائيلي؛ فثمة وجهة نظر تقول إن خطوة سحب "الأردني" أقل كلفة على الحكومة من طرد "الإسرائيلي"، ويمكن أن تؤدي وحدها الغرض "الاحتجاجي" من الجانب الأردني.

حتى هذه تبدو غير واردة في حسابات الحكومة. وقد عرض رئيس الوزراء قائمة بالمكاسب والخسائر المترتبة عليها، وانتهى حاصل الجمع والطرح إلى نتيجة سلبية؛ سحب السفير يضر بمصالح الشعب الفلسطيني، يقول النسور الذي قدم قائمة من المكاسب الإنسانية والخدمية التي يحصل عليها الفلسطينيون من وجود السفير في إسرائيل.

يصعب على المرء أن يتجاهل حزمة المصالح تلك. ويؤكد دبلوماسي خدم في سفارة تل أبيب أنه من الصعب جدا على الأردن رعاية شؤون المقدسات الإسلامية في القدس من دون وجود سفير في إسرائيل.

لقد مضى على التبادل الدبلوماسي بين الأردن وإسرائيل حوالي عشرين عاما، لم يسبق خلالها أن سحب الأردن سفيره من تل أبيب أو طلب من الإسرائيلي مغادرة البلاد. قبل سنوات قليلة فقط، أبقى الأردن موقع السفير شاغرا لفترة من الوقت كخطوة احتجاجية على سياسات الحكومة الإسرائيلية، من دون أن يعلن ذلك السبب رسميا. وفي كل مرة شنت فيها إسرائيل عدوانا على الضفة الغربية أو على قطاع غزة، كانت الحكومات الأردنية تقاوم ضغوط المطالبين بسحب السفير، وبنفس الحجج التي ساقها رئيس الوزراء قبل يومين.

اللافت في كلام النسور هذه المرة أنه ربط وجود السفير بمصالح الجانب الفلسطيني وليس الأردني. لكن ما من أحد في الجانب الفلسطيني؛ سلطة رسمية أو مؤسسات أهلية، يخرج لوسائل الإعلام ليسند رواية الحكومة الأردنية. حركة حماس على سبيل المثال، يشيد قادتها في القطاع على الدوام بالخدمات الطبية الجليلة التي يقدمها المستشفى الأردني لسكان القطاع، لكن أحدا منهم غير مستعد للقول إن سكان القطاع سيخسرون هذه الخدمات لو أقدم الأردن على قطع علاقاته مع إسرائيل. وكبار المسؤولين في السلطة يفعلون الشيء ذاته تقريبا.

مهما يكن، فإن ما يقدمه الأردن من خدمات للشعب الفلسطيني هو واجب تمليه عليه الروابط القومية والخصوصية التاريخية في العلاقة الأبدية بين الشعبين.

يبقى ما هو أهم؛ إذا كانت الحكومة غير مستعدة لاتخاذ قرارات بشأن سحب سفيرها من إسرائيل أو طرد "السفير" من عمان، بكل ما يترتب على هذا الموقف من كلفة داخلية باهظة، فكيف لنا في المقابل أن نرفع كلفة وجود السفيرين عن كاهلنا ونلقيها على إسرائيل؟

مثلا، هل للحكومة أن تطلب تسهيلات أكبر من إسرائيل لإقامة جسر بري لنقل المساعدات إلى قطاع غزة؟ وهل يمكن للحكومة، بوصفها الجهة المسؤولة عن رعاية المقدسات في القدس، أن تحصل من إسرائيل على تعهد بالسماح لكل الفلسطينيين الراغبين بالصلاة في "الأقصى" بصرف النظر عن أعمارهم؟

وأكثر من ذلك، هل يمكن استثمار وجود السفراء كغطاء لرفع سقف موقفنا السياسي من العدوان المتكرر على غزة والضفة الغربية، بحيث يتبنى الأردن رسميا مطلب تقديم مرتكبي الجرائم من قادة إسرائيل إلى المحاكم الدولية؟

باختصار، لا تمنحوا إسرائيل رسائل تطمين هكذا من دون شروط. حتى يكون بقاء السفير في تل أبيب ونظيره في عمان محتملا، ينبغي أن نربطه بجملة مطالب، وإلا فلا معنى لاستمرارهما

الغد