لا تنصتوا لصندوق النقد

لا تنصتوا لصندوق النقد
الرابط المختصر

في تقريره الأخير طالب صندوق النقد الدولي الحكومة بالمضي في سياسة التخلص من الدعم، في إشارة مباشرة إلى الدعم المقدم لمادتي القمح والشعير. وجاء في التقرير أن الإجراءات المتبعة أحرزت تقدما كبيرا في النهوض بالإصلاحات الهيكلية، إلا أن السلطات الأردنية ما تزال تواجه عددا من التحديات، موصيا بتطبيق "أولويات إصلاحية".

وحدد التقرير الأولويات التي يجب تطبيقها والمتمثلة بإزالة ما تبقى من الدعم والإعفاءات الضريبية على السلع الأساسية.

توصيات الصندوق كما في الماضي استندت إلى اعتبار الدعم تشوها صارخا في الموازنة العامة، حيث يقدر حجم الدعم المقدم للقمح بحوالي 113 مليون دينار بعد الارتفاع الأخير على أسعار القمح عالميا، ونحو 30 مليون دينار لدعم الشعير. توصيات الصندوق تنبع من رؤيته وهدفه في تخلي الدولة عن دورها الرعوي، حتى وإن كان الدعم مخصصا لسلع أساسية مثل الخبز.

والمثير أن توصيات الصندوق حول الإصلاح أهملت ملفات كبيرة يجمع كل الناس على معالجتها، مثل الفساد، وضعف إعداد الموازنة العامة، والإنفاق غير الموجه بالنتائج، قبل الحديث عن زيادة أسعار الخبز والأعلاف.

والحكومة، كما تشير التحركات الأولية لم تهمل التوصيات، بل بدأت بدراستها جديا، وبعض التصريحات الرسمية تدلل على نوايا خفية برفع الدعم عما تبقى من سلع مدعومة، بعد أن تم تحرير أسعار المحروقات كاملا مطلع العام 2008.

وكما جرت العادة تفكر الحكومة بالالتفاف على القرار من أجل تمريره، كونها تدرك جيدا أنه توجه غير شعبي، بواسطة الحديث عن تقديم الدعم لمن يستحقه، وهي الخطة التي طبقتها حكومات سابقة إبان تنفيذ خطة التخلص من دعم المشتقات النفطية حيث وزعت الحكومة في حينه مبالغ بلغت 30 مليون دينار.

"إيصال الدعم لمن يستحقه" لم يستمر لأكثر من موسم حتى وصلنا لمرحلة بات الجائع والفقير ومتوسط الحال يشتري المحروقات بالأسعار العالمية، ومن دون أية التفاتة حكومية لحالته الصعبة، والمشقة التي يواجهها في توفير احتياجاته ومستلزماته التي لا تكاد تكفي لتوفير عيش كريم له ولأسرته.

اليوم المشهد يتكرر، وستحاول الحكومة تطبيق توصيات الصندوق حرفيا، انطلاقا من إيمان أعمى بضرورة تطبيقها، ومن أجل الحصول على تقييم إيجابي من الصندوق، يشهد أن السياسات المالية المطبقة حصيفة وتسعى للإصلاح، وتغض الطرف في الوقت نفسه عن نتائج مثل هذه القرارات.

وأخطر ما في مسألة التخلص من الدعم، تلك التبعات الاجتماعية التي تخلفها، وتحديدا في زيادة التكاليف على الأسر محدودة ومتوسطة الدخل، إذ لا يجوز القول من قبل البعض أن بالإمكان التخلي عن استهلاك الخبز والتوجه لبعض النشويات الأخرى مثل الأرز.

 من خرجوا بهذه الأفكار يبدو أنهم لم يفكروا في أن بعض الأسر لا تجد حتى الخبز لتعيش، فكيف الحال بالسلع الأخرى التي يطرحونها كبدائل للخبز!

محاولة تسويغ رفع الدعم كقرار مؤلم وضروري مسألة تفتقد للعقلانية والمنطق، فرفع الدعم عن الخبز له كلفته المادية، وأهم من ذلك أن للخبز قيمة رمزية كبيرة حتى لدى الأغنياء.

وطالما ارتاح الناس لتصريحات المسؤولين الحاليين والسابقين، بأن الخبز خط أحمر ولن يمس، وتكرار مثل هذه التصريحات وتطبيقها واقعيا اليوم يخرج الحكومة من دائرة النقد، ويجعلها تظفر بقيمة مضافة من الشعبية.

عدم رفع الدعم يبث رسائل تؤكد أن الحكومة لم تنصت لتوصيات الصندوق، وقدمت حاجات الناس ومصالحهم على اعتبارات المؤسسة الأممية

الغد