لا تكرروا الخطيئة رجاء
تتدفق معلومات تشير إلى أن ثمة مطبات كثيرة تعترض السير والإنجاز في مشاريع الطاقة المختلفة؛ الأمر الذي يؤخر ويعيق تطبيق مبدأ "أمن الطاقة" كأساس لحل مشكلة البلد الكبرى.
في مشاريع الطاقة الشمسية، تقول المعلومات الراشحة إن الشركات الاثنتي عشرة التي وقّعت مع الحكومة اتفاقيات لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، توقفت عن المضي بمشاريعها. والسبب، كما يقول مسؤول مطلع، هو عدم الموافقة على مطلب للشركات يتعلق بالحصول على كفالة حكومية مالية.
في التفاصيل؛ طلبت الشركات من الحكومة الموافقة على شراء كامل كميات إنتاجها من الكهرباء من خلال شركة الكهرباء الوطنية. وفي حال تعثر ذلك، تلتزم الحكومة بدفع كفالة مالية بمقدار الكميات التي تخلت عن شرائها.
هذه النقطة الخلافية جمّدت العمل إلى حين البت فيها من قبل ديوان التشريع الذي يرفض منح كفالة حكومية بهذا الخصوص.
مطلب الشركات شرعي، والرد الحكومي مقنع أيضا. إذ ينبع مبدأ رفض الكفالة من الخشية من ارتفاع القدرات الإنتاجية للشركات مستقبلا إلى حجم لا تقدر معه الحكومة على الوفاء بالتزامها شراء كامل إنتاج الكهرباء، وبما يضطرها بالتالي إلى دفع الكفالة المالية، وهذا أمر متوقع.
المضي بمشاريع الطاقة الشمسية ضرورة. وربما يكمن الحل هنا في تحديد سقوف للكميات التي تلتزم الحكومة بشرائها، فيما تتدبر الشركات مسألة تسويق ما تبقى من إنتاجها من الكهرباء.
المشكلة الثانية التي تكشف الخلل في إدارة ملف الطاقة، تتعلق بالمضي في تنفيذ الاتفاق مع الشركة الأستونية لإنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي، بالموافقة على سعر التعرفة الذي تقدمه الشركة.
الشركة راجعت في الأيام الماضية أسعارها؛ مخفضة السعر مجددا من 8 قروش إلى 7.5 قرش لكل كيلو واط، ومعبرة عن مخاوفها من فقدان نافذة التمويل التي حصلت عليها بعد جهد.
الجديد والمفاجئ بشأن هذا المشروع الاستراتيجي يرتبط بالمعلومات التي تخرج من مسؤولين يؤكدون أن السعر المقدّم من الشركة أعلى من ذلك بكثير، ويصل لحدود 27 قرشا. وهو الأمر الذي ينفيه الأستونيون.
بالمحصلة، يشهد قطاع الطاقة تباطؤا. وهذا وصف ناعم لما يجري في قطاعي الطاقة الشمسية والصخر الزيتي؛ إذ يبقى الأمر هيناً لو فُسِّر هذا الوضع بأنه نتيجة للبيروقراطية وضعف الأداء، لكن المسألة تصبح قاتلة فيما لو كان لها تفسير ثان.
الأهم والأخطر من كل ما سبق، هو المعلومات الرسمية حول استمرار التفاوض مع الشركة الأميركية "نوبل إنيرجي" للحصول على الغاز الإسرائيلي. إذ تشير المعلومات إلى أن السعر المقدم مغر، يساوي سعر الغاز المصري، بقيمة تبلغ 4.5 دولار أميركي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
السعر المقدم منافس لتكلفة أي مصدر آخر من الطاقة؛ سواء الشمسية أو الرياح أو حتى الصخر الزيتي، الأمر الذي يستهوي ويغري المسؤولين، ويوجه تفكيرهم من جديد نحو المصدر الأرخص للطاقة، وبالتالي إسقاط فكرة "التنوع" من الحساب.
فالسعر المقترح للغاز الإسرائيلي يبدو أنه يؤثّر من جديد على نظرة الحكومة للأمور، ويبعدها عن الحكم الرشيد. فهي تسعى إلى تخفيض الكلف، لكنها تغفل مبدأ تنوع مصادر الطاقة وأمنها، متناسية أن هذا ما حدث تاريخيا في الأردن، وتسبب بالكوارث المالية، آخرها ما نعيشه اليوم بسبب انقطاع الغاز المصري.
التفاوض مع الشركة الأميركية ما يزال في أوله، والتفكير الرسمي اليوم ينكب على شراء طاقة رخيصة تقلل العجز والدين. وفي ذلك صحة؛ إذ دفعت الحكومة حتى اليوم ما يزيد على ملياري دولار لدعم الكهرباء، والحبل على الجرار.
بيد أن التفكير في ضبط الكلف على حساب التنوع؛ وتفضيل الأول على الثاني، هو أمر سيدفع الأردن كلفه مستقبلا، ولنا في الماضي القريب عبرة؛ سواء في النفط العراقي أو الغاز المصري. وزير طاقة سابق قال: لو فزنا بمباراة كرة قدم على مصر، فإنه يمكن أن تقطع الغاز عن المملكة؛ ولنا أن نتخيل ماذا ستفعل إسرائيل! رجاء لا تكرروا الخطيئة.
الغد