لا تجعلوها قاسية
التقارير الأممية حول توجهات أسعار النفط والمواد الغذائية التي تتخذ منحى صعوديا، تشي بإمكانية توجيه ضربة خارجية موجعة لكلف معيشة الأردنيين خلال العام 2011.
والحكومة لم توفق في توقع أسعار النفط؛ حيث بنيت موازنة العام الحالي على أساس أن متوسط سعر البرميل سيبلغ 80 دولارا، فيما تؤكد الدراسات العالمية أن متوسط سعره سيتجاوز 100 دولار.
أما الارتفاع الكبير على أسعار الغذاء فيثير مخاوف من تكرار أزمة الغذاء التي حدثت في العام 2008، لاسيما وأن أسعاره سجلت مستوى قياسيا مرتفعا في الشهر الماضي يفوق المستويات التي تسببت في اندلاع أعمال شغب في العديد من البلدان في العام 2008.
وربما تواصل أسعار الحبوب الرئيسية الارتفاع، ما يجعل ارتفاع الأسعار محليا أمرا مرشحا بقوة، لاسيما وأن الاقتصاد الأردني المحدود مرتبط بشكل كبير بالاقتصادات العالمية، وعجز ميزانه التجاري ارتفع خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2010 بنسبة 8.2 %، ليبلغ 4.28 بليون دينار، وكذلك ارتفعت المستوردات خلال ذات الفترة من 2009 بنسبة 8.5 % لتبلغ 7.96 بليون دينار.
مبعث القلق أن الفشل في كبح ارتفاع أسعار الغذاء سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي من خلال ارتفاع التضخم وتآكل المداخيل.
الحال في العالم لا يبدو مطمئنا، وها هي الحركات الاحتجاجية بدأت في تونس والجزائر، وما حرك الناس في هذه الدول ليس إلا الفقر والجوع والقمع، وارتفاع الأسعار وزيادة كلف المعيشة التي اجتمعت معا وضيقت عليهم الخناق وقللت من فرصهم في حياة كريمة ومريحة. والأسواق العالمية بدورها ترسل إشارات تؤكد أنها ستستبيح مداخيل الناس المتواضعة أصلا، والتي لم تنمُ بمعدلات تسهم بتقليص الفجوة بين دخلهم ونفقاتهم التي تصل إلى نحو 900 دينار.
محليا يبدو أن العام الحالي لن يكون سهلا، لاسيما وأن المعطيات تشير إلى احتمالية تعرض الناس لضربة داخلية تأتي بمزيد من الضغوطات الاقتصادية، تضاف إلى حساب تلك التي بدأوا يكابدونها منذ سنوات طويلة مع بدء رحلة الإصلاح الاقتصادي التي تبنتها الحكومات المتعاقبة منذ العام 1989.
ويزيد "الطين بلة" الرسائل التي تبثها الحكومة الآن، كونها تتحد مع ما يحدث في العالم لتخلق توليفة معقدة من ظروف صعبة لا يقدر الناس على تحملها، بعد أن وصلت قدرتهم على استيعاب قرارات صعبة جديدة حد الإشباع.
الظروف العالمية غير مواتية لتنفيذ رؤية الحكومة، وتقدم دعوات مفتوحة للحكومة والفريق الاقتصادي لدراسة البدائل المتاحة بعيدا عن جيوب الناس وتكليفهم أية تبعات مالية.
وفق الرؤية السابقة، نجد أن دخل الأسر بانتظار ضربة مزدوجة محلية وأخرى عالمية، وقدرة التحمل اضمحلت، الأمر الذي يتطلب إلغاء إحدى هذه الضربات، وبما أن الضربة العالمية قادمة لا محالة فإن المنطق والعقل يستدعيان أن تعيد الحكومة دراسة قرارها ألف مرة قبل أن تقدم عليه.
وتنبيه المسؤولين لضرورة مراجعة حساباتهم واجب، لا سيما وأن الحكومة تتحدث عن رفع الدعم عن خدمات مختلفة من باب المضي بالإصلاح والتخلص من التشوهات.
الأردني ليس ساذجا وتعلم من جيبه أن "الإصلاح الاقتصادي" الذي أغفل تحقيق العدالة في توزيع مكتسبات التنمية ولم يرتقِ بمستوى معيشته، لن يحمل له اليوم مكاسب بعد كل الخسائر التي لحقت به.
فهل تتعلم الحكومات معادلة جديدة للإصلاح تراعي حاجات الناس وتطلعاتهم وآلامهم، وتبث لهم رسائل تطمئنهم على لقمة عيشهم، حتى لا تكون ضربة الحكومة القادمة هي الضربة القاضية؟!
الغد