لا تتفاجأوا.. إنها الحقيقة
كثيرة هي الممارسات الخاطئة التي تتم في الشركات المساهمة العامة، والتي تتسبب بخسائر كبيرة للمستثمرين، ولاسيما الصغار منهم الذين لا تخولهم حصصهم ومساهمتهم فرصة المشاركة في اتخاذ القرار.
ومنذ سنوات ونحن نشهد مخالفات لا حصر لها، ونسمع شكاوى لا نجد لها آذانا صاغية من الجهات الرسمية المسؤولة عن تنظيم عمل الشركات المساهمة العامة.
وعلى مدى سنوات لم يتخذ إجراء واحد بحق واحدة منها لطمأنة المستثمرين وبث رسائل تقول لهم إن ثمة جهات تهتم بمصالح الصغار منهم، وتؤكد لكبار المساهمين أن أموال هذه الشركات ليست سائبة.
ومنذ البدء أدرك كبار المساهمين الوزن الثقيل لبعض رجال السياسة وقدروا دورهم في تسيير أعمال الشركات، ما دفع بعضهم لتشغيل بعض كبار المسؤولين السابقين، وسعى هؤلاء لتطبيق مبدأ تجيير السياسة ونفوذها لخدمة مصالحهم الاقتصادية والمالية وقد نجحوا بالفعل في ذلك.
ومشاكل الشركات المساهمة العامة كثيرة ومتشعبة، ولها سبب وحيد يرتبط بتواضع الرقابة على هذه الشركات من قبل مديرية مراقبة الشركات، والتي ينص القانون صراحة أنها مسؤولة عن كل كبيرة وصغيرة فيها. واجتماعات الهيئات العامة لهذه الشركات وحالة التواطؤ التي تمارس من قبل كبار المستثمرين وممثلي مراقبة الشركات شاهد على ذلك، كونها لا تأخذ شكاوى صغار المستثمرين بعين الاعتبار للتحقق منها تأكيدا أو نفيا.
والتقارير السنوية للشركات تكشف تلك التجاوزات التي تغيب عنها عين الرقيب على اعتبار أنها ممارسات مقبولة، رغم أن معايير الحوكمة والنزاهة تفرض الوقوف في وجه مثل هذه الممارسات التي تستنزف أموال الغير من دون حسيب أو رقيب.
بعض القائمين على الشركات وهم في الأصل مؤتمنون على استثمارات غيرهم، تجدهم يمولون احتياجاتهم الخاصة من حساب الشركات، فضلا عن المكافأة المالية الكبيرة والمبالغ في تقديرها رغم الأوضاع المالية السيئة التي تعاني منها بعض الشركات. ويضاف إلى ما سبق التقديرات المرتفعة لقيمة مياومات السفر التي يحصل بعضهم عليها، والتي تصل لعشرات آلاف الدنانير، ووصل الاستغلال لدرجة أن بعضهم لم يشتر تذكرة سفر واحدة على حسابه حتى لسفراته وتنقلات عائلته التي تسدد كلها من أموال الشركات. وكدليل على صون الأمانة التي حملوها، تجد بعض المسؤولين في الشركات المساهمة العامة يسجلون أراضي وعقارات تعود ملكيتها للشركة بأسمائهم الشخصية، وحجتهم أمام المساهمين التهرب من دفع رسوم نقل الملكية.
وتجد أيضا قائمين على الشركات يستخدمون أموال الشركات لأغراض خاصة بملايين الدنانير مقابل رهونات أو شيكات مؤجلة ليعاد استثمار هذه المبالغ في استثمارات أخرى.
ولسيارات المسؤولين في هذه الشركات حكاية أخرى، إذ تجد منهم من يقتني سيارة قيمتها مئات الآلاف حتى وان كانت شركاتهم تتكبد خسائر يومية، الأمر الذي لا يفسر إلا بطريقة واحدة أن هؤلاء يستغلون المواقع التي يتقلدونها.
وقضايا أخرى كثيرة بحاجة لدراسة ومتابعة مثل أسعار الأسهم قبل التحول لمساهمة عامة، والاستفادة من المعلومات الداخلية من الشركة في حالات الطفرة واستغلالها في عقد صفقات على الأسهم، والتي تأتي بأرباح كثيرة، وهذه أيضا من أشكال إساءة الائتمان. للفساد أوجه كثيرة، بيد أن الفساد المغلف بسطوة المال أخطر بكثير، في ظل الدعوات لزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، ما يدعو إلى إعادة النظر بالتشريعات الناظمة لهذه الشركات، ويتطلب دورا أقوى لدائرة مراقبة الشركات التي تشهد على جميع هذه المسلكيات خلال اجتماعات الهيئات العامة لهذه الشركات.
الغد