لا تتعلموا من هذه الديمقراطيات!

لا تتعلموا من هذه الديمقراطيات!

عمان دون سواها من العواصم العربية، شاهد حي على انقسامات الشعوب العربية، وصراعاتها الإنتخابية. قبل أسابيع كانت عمان مسرحا لانتخابات الجالية العراقية، وسط خلاف عميق بين مكونات العراق السياسية. ومنذ أيام تحولت السفارة المصرية في عمان لمركز اقتراع للجالية المصرية العريضة، والمنقسمة على نفسها بين مؤيد للجنرال عبدالفتاح السيسي، ومعارض يدافع عن شرعية حكم مرسي الذي أطيح به العام الماضي.
وقبل نهاية الشهر الحالي ستكون عمان محطة لأكثر انتخابات إثارة للجدل؛ انتخابات الرئاسة في سورية. الحكومة الأردنية وبعد أخذ ورد في أوساطها سمحت للسوريين المقيمين في الأردن بالمشاركة في الانتخابات، خلافا لتوجه "أصدقاء سورية" من الدول الغربية والعربية.
تتجاوز أعداد العراقيين والسوريين والمصريين في الأردن حاجز المليونين، ويتركز غالبيتهم في عمان، غير أن نسبة محدودة منهم تشارك في الإنتخابات. اللاجئون السوريون على سبيل المثال لا يملكون حق المشاركة، كونهم غادروا بلادهم بطرق غير شرعية من وجهة نظر النظام السوري. والمصريون في الأردن لا يبدون اهتماما كبيرا بالشأن السياسي، لكنهم هذه المرة يصوتون بأعداد أكبر من المرات السابقة، ربما بفعل جهود منسقة من الجانب المصري لحشد أكبر تأييد ممكن للمرشح السيسي.
اما العراقيون الذين خاضوا التجربة في الأردن عدة مرات، فقد تمكنوا من تطوير نموذج انتخابي متقدم، مقارنة بالآخرين.
أهل عمان وعموم الأردنيين الذين يتابعون فصول المأساة في سورية والعراق ومصر عن كثب، فإن ما يشهدون من مواسم انتخابات عربية في عاصمتهم، لا يثير فيهم الأشواق لديمقراطية على هذا النحو. وقد يرى بعضهم في النموذج الأردني على تواضعه خيارا متقدما على تجارب من حولهم من الأشقاء؛ فلا الانتخابات المتواترة في العراق جنّبته ويلات الاقتتال والحرب الأهلية، ولا صناديق الاقتراع المزروعة على ظهور الدبابات في سورية ستؤمن لشعبها مستقبلا أفضل أو نهاية لحمام الدم.
لكن تبقى هذه المواسم الانتخابية بالنسبة للأردنيين تمارين حية على ديمقراطيات مشوهة، ومحتالة، يتعلمون منها الدروس. وأهم هذه الدروس أن الديمقراطيات القائمة على المحاصصات الجهوية والطائفية، لا تحمل معها سوى الشر والخراب، كما في العراق. والانتخابات بدون استقرار وأمن عملية شكلية فارغة تعيد إنتاج الوضع القائم بكل ويلاته، كما الحال في سورية.
أما الانتخابات التي تتمحور حول شخص يظن أنه المخلص، فلن تفرز سوى ديمقراطية الفرد الدكتاتور، والحالة المصرية نموذج حي عليها.
إنها فرصة الأردنيين ليخطّوا طريقتهم ونهجهم الديمقراطي المختلف، فلم يعد في المنطقة من حولنا من يمكن أن نقتدي به. ينبغي أن نتعلم من تجاربنا فقط ، فتجارب الربيع العربي لا تغري سوى المجازفين بأمن أوطانهم ومستقبل شعوبهم.
تظل لهذه الانتخابات التي تشهدها عمان ميزة لا تتوفر للسوريين والعراقيين والمصريين في بلدانهم؛ فالناخبون في عمان يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في سفاراتهم، دون خشية من انتحاري يندس بينهم، أو مفخخة تنفجر في طريقهم، ولا قناص يصطادهم من المباني العالية.
في عمان ينتخب العراقيون والسوريون والمصريون، وكأنهم في دول ديمقراطية عريقة، بينما-وهنا المفارقة- بلدانهم تعيش أياما مظلمة، وتصارع من أجل البقاء.

أضف تعليقك