لا اصلاح من دون حرية صحافة
ما سقط قانون المطبوعات رقم 27 لسنة 1997 المؤقت أتوقع أن قوانين (المطبوعات, وهيئة مكافحة الفساد والعقوبات) التي أدرجتها الحكومة على جدول أعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب, ستسقط, وستسقِط معها الحكومة.
وفي اول زيارة لمسؤول كبير إلى العواصم الغربية سيكتشف العالم الخطاب المزدوج و"الكذبة الكبرى" حول حرية الصحافة في الأردن التي يتم الترويج لها. صحيح أن وضعنا أفضل ممن حولنا, من دكتاتوريات, لكن لا يجب تسويق الأمر على اننا في "السويد".
يقر مجلس الوزراء الموقر "الاستراتيجية الإعلامية" بيد وينزع ما أعطاه باليد الأخرى في تشديد العقوبات.
حتى في اوغندا تقول المحكمة الدستورية أن من حق الصحافي أن يخطىء, وأن عقوبة السجن لا تتناسب مع دور الصحافة في المجتمع.
إن رفع العقوبة على الصحافيين ممن يخطىء إلى 50 الف دينار سيكون له تأثير سلبي Chilling effect على زيادة الرقابة الذاتية عند الصحافيين بما يعادل الرقابة المسبقة.
إن مثل هذه الأرقام الفلكية في الغرامات لا توجد حتى في قانون حماية البيئة ونظام حماية البيئة البحرية عند إلقاء نفايات ملوثة في البحر.
لا أحد يطالب بحصانة للصحافي, فالصحافي قد يخطىء, لكن الحل ليس بغرامة 50 الف دينار يتم دفعها لميزانية الدولة, فالدولة لا يجب أن تكون دولة جباية, ولكن ذلك لا يمنع من تعويض المتضرر إذا ثبت أن الصحافي بسوء نية كتب عن الآخرين. وحتى هذا التعويض لا يجب أن يتعدى جبر الضرر للإثراء بلا سبب على حساب حرية الصحافة.
ويجيء جزء من التعديلات لكبح جماح حرية التعبير على المواقع الإلكترونية.
على الجميع الانتباه مبكرا, فما يحدث لا يضر الصحافيين فقط إنما يؤشر على عدم جدية الحكومة بالمضي بالإصلاح. فلا اصلاح ولا ديمقراطية من دون حرية صحافة.
على نقابة الصحافيين والصحف والمواقع الإخبارية الالكترونية ولجنة التوجيه الوطني النيابية التحرك الفوري لمواجهة حملة الردة عن الحريات العامة والطبيعية, فحرية الصحافة ليست منحة من أحد, إنما حق طبيعي للإنسان وعندما جاء القانون جاء ليكشف عنها بهدف حمايتها ولم ينشئها القانون لينتقص منها كلما شاءت الحكومة فحرية التعبير ليست جمارك ترفعها أو تخفضها الحكومة لتحريك السوق
صحيح أن وسائل الإعلام الجديدة وخاصة الانترنت "جننت" الحكومة الأردنية, لكن لم تجننها وحدها, فقد جننت ايضا زين العابدين بن علي وحاكمة قرطاج, وجننت سوزان مبارك. الاعلام الجديد له وسائله, ومن إحدى الوسائل التي استعملها "الصحافي العالمي" في كشف ما "عمايل" حاكمة قرطاج أنهم بالتعاون مع عدد من النشطاء كانوا يرصدون طائرة الرئاسة التونسية وكم مرة حطت في مطارات اوروبا فاكتشفوا أنها في إحدى السنوات رست 30 مرة في مطارات العواصم الاوروبية, ثم عملوا مقارنة مع التصريحات الرسمية التي صدرت عن وكالة الأنباء التونسية عن زيارات رئيس الدولة للخارج فوجدوا أنها 3 زيارات, وهنا بدأت مجموعات "الفيس بوك ويو تيوب" بدحرجة القصة في العالم وهذا يسمى Mirroring بلغة الإعلام الحديث, والبقية تعرفونها.
منذ عبارة عالِم الإتصال مارشال مكلوهان "القرية الكونية" تعمل ثورة وسائل الإتصال والإعلام على تصغير العالم الذي أصبح "قرية بلورية" حسب رأي زميلنا عمر شنيكات.
الأردن يسير عكس الإتجاه العالمي فيما يتعلق بالانترنت ودور الصحافة.
ومؤخرا قدم المقرر الخاص لحرية التعبير في الأمم المتحدة فرانك لارو تقريره السنوي لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وقال فيه ان "الانترنت هي واحدة من أقوى أدوات القرن 21 من أجل زيادة الشفافية في تيسير الوصول إلى المعلومات وتسهيل مشاركة المواطنين في بناء المجتمعات الديمقراطية".
واضاف ان الانترنت تتمتع بالحماية المقررة لحرية التعبير كما تنص عليها المادة 19 من كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
واشار إلى التحولات الديمقراطية في الشرق الأوسط مبينا دور الانترنت في مطالب المواطنين بالعدالة والشفافية واحترام حقوق الإنسان ومحاسبة الحكومات.
وأكد أهمية ضمان حق الوصول إلى المعلومات عبر الانترنت مشيرا أن الانترنت اصبحت أداة رئيسية للأفراد في التماس وتلقي وبث المعلومات.
وقال أن استخدام قوانين العقوبات التي تفرض عقوبات سالبة للحرية بقضايا النشر عبر الانترنت يعد تعسفا وغير مبرر ومن شأنه انتهاك حقوق الإنسان.
واشار أن عددا من الدول تقوم بفرض تقييدات غير ضرورية وغير متناسبة على الانترنت, بشكل لا يتفق مع المعايير الدولية.
وأكد أن قيام عدد من دول العالم بفرض تسجيل لمواقع الانترنت غير مبرر ولا يتناسب مع المعايير الدولية, مشيرا أن الترخيص للترددات سببه ندرتها.
وأكد قدرة الانترنت كقوة فريدة من نوعها لتوفير مساحة واسعة لحرية التعبير الفردية يمكن أن تؤدي إلى تعزيز حقوق الإنسان الأخرى, بما في ذلك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ".
الأصل أن القانون يعبر عن إرادة المجتمع الجمعية في مرحلة ما, وليس معقولا أن تتغير هذه الإرادة كل بضعة أيام, إضافة أنه تم إقرار هذه القوانين في عتم من الليل من دون شفافية أو إشراك المجتمع المدني في ذلك كنقابة الصحافيين والأحزاب وغيرهما.
وللتذكير فقد صدر أول قانون مطبوعات في الأردن عام ,1953 وبعده بعشرين سنة صدر الثاني اي عام ,1973 وبعده بعشرين سنة صدر الثالث عام ,1993 ومنذ ذلك الحين صدرت حوالي 7 قوانين تعدِّل وتلغي ومؤقتة ضمن "فوضى التشريع الخلاقة" حتى أصبح القضاة والمحامون والصحافيون يجدون صعوبة بالغة في ملاحقة ما يجري.
وكمثال على فوضى التشريع ما جرى في القانون المؤقت رقم "5" لسنة 2010 القانون المعدل لقانون المطبوعات والنشر الذي نص على تعديل المادة (42) من القانون الاصلي وإنشاء غرفة قضائية متخصصة ضمن الغرفة الجزائية لكل محكمة بداية تسمى "غرفة قضايا المطبوعات والنشر", وتختص هذه الغرفة دون غيرها بالنظر في الجرائم الواقعة على امن الدولة الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات النافذ اذا تم ارتكابها بواسطة مطبوعة او احدى وسائل الاعلام المرئي والمسموع المرخص بها.
وإعمالا لنص الفقرة السابقة تم تحويل قضية الكاتب الصحافي موفق محادين ود. سفيان التل من محكمة أمن الدولة إلى محكمة الجنايات النظامية والتي أصدرت قرارها التاريخي بعدم مسؤوليتهم عن التهم الموجهة لهم, وشرحنا ذلك في حينه.
وفي انتقائية واضحة تم تحويل الزميل علاء الفزاع إلى محكمة أمن الدولة وتوقيفه على قضية تقع ضمن الجرائم الواقعة على امن الدولة الداخلي والخارجي المنصوص عليها في قانون العقوبات.
فما هذه الإنتقائية?!
بالتأكيد تعرفون معالي هشام التل? وتعرفون أنه غير معارض ولا محسوب على المعارضة, ولو كان موجودا في الحكومة ما كان ليقبل أن يتم هذه التخبط التشريعي الذي نراه.
لم يعد أحد يصدق ما يدعيه المسؤولون عن رفع سقف حرية الصحافة.
الحكومة تعمل مثل امبراطور اثيوبيا الأخير هيلا سيلالسي الذي كان يقول: "الشعب لا يعرف مصلحته أنا اعرف مصلحة الشعب", وهذه الحكومة تريد جر "الصحافيين الأردنيين" بالسلاسل إلى الجنة.
ما يجري في الأردن هو أكبر ضربة توجه لحرية التعبير وحرية الصحافة بعد عام 1997 عندما أصدرت الحكومة آنذاك قانون المطبوعات والنشر رقم 27 والذي أصدرت محكمة العدل العليا قراراتها الثلاثة بعدم دستوريته. وكان من نتائج ذلك القانون تراجع مكانة الأردن في كافة التقارير الدولية لحرية الصحافة, لكن ارتفع مؤشر الأردن في استقلالية القضاء وحكم القانون.