كيف يتعامل الاردن مع موجة التغيير الثانية؟

كيف يتعامل الاردن مع موجة التغيير الثانية؟
الرابط المختصر

مكاسب في الجولة الاولى والسياسات المتبعة لاجهاض التحرك لن تصلح من جديد .

تأخذ عملية التغيير المستمرة في العالم العربي شكل الموجات وهو ما دفع المحللين الى وصفها بـ "التسونامي".

الموجة الاولى اقتلعت نظامي الحكم في تونس ومصر وما زالت تعصف بالنظامين الليبي واليمني وهما في طور السقوط الآن, أما الناجون من العاصفة فهما النظامان البحريني والجزائري.

منذ اسابيع قليلة بدأت تلوح في الأفق موجة ثانية من التغيير في العالم العربي مركزها الرئيسي سورية, وامتدت لتشمل العراق الذي يتجه لتحرك شعبي واسع ضد نظام المحاصصة الطائفية والفساد والاحتلال.

الاردن كان مرشحا لتغييرات سياسية واسعة في الموجة الاولى وشهد حراكا سياسيا وشبه شعبي على وقع الثورتين التونسية والمصرية, لكن سرعان ما تراجع التحرك في الشارع ويعزى هذا الى عدة اسباب:

اولا: غياب المشاركة الشعبية الواسعة في حركات الاحتجاج الشعبي واقتصارها على القوى الحزبية والأطر الصديقة حولها.

ثانيا: تجاوب الدولة مع بعض المطالب الاصلاحية وتمثل ذلك بتغيير حكومة الرفاعي, الموافقة على تأسيس نقابة معلمين, تعديل قانون الاجتماعات العامة, الاقرار بضرورة تعديل قانون الانتخاب تعديلا جذريا وتشكيل لجنة للحوار الوطني, تحريك عدد من ملفات الفساد والشروع في محاكمة بعض الرموز.

ثالثا: اللعب على الورقة الاقليمية بعد احداث ميدان جمال عبدالناصر وإثارة مخاوف اوساط اردنية من اصلاحات تؤدي الى قيام وطن بديل للفلسطينيين في الاردن.

ونجحت هذه السياسة في خلق انقسام داخلي أعاق فرص بناء قاعدة شعبية عريضة تدافع عن الاصلاح وترافق ذلك مع حملة تحريض وتجييش في الشارع ووسائل اعلام وصلت الى حد التهديد بالقتل لمعارضين.

رابعا: فشل القوى المعنية في عملية الاصلاح بانتاج خطاب سياسي جامع يراعي المحاذير ويستجيب للمصالح الوطنية لاغلبية الشعب. ويحظى بالمصداقية العامة, الأمر الذي يعكس أزمة القوى الحزبية في الاردن وفي المقدمة منها الحركة الاسلامية.

انتهت الموجة الاولى اذا بمكاسب وطنية جيدة وقائمة في الاساس على رهان بتقدم مسار الاصلاحات واعتماد لغة الحوار بدلا من المسيرات, اذا لم يكتب لهذا المسار ان ينجح بفعل تدخل قوى الشد العكسي او يتباطأ بفعل عوامل عديدة فان الاردن مرشح لدخول الموجة الثانية من "تسونامي" التغيير.

في الموجة الاولى كانت المبادرة للتحرك بيد القوى الحزبية والمنظمة لكن الحال سيتغير في الموجة الثانية, فتحت تأثير الاوضاع الملتهبة في سورية التي لم يكن لأحد ان يتصور انفجارها على هذا النحو فان الشارع الاردني سيتخطى الاحزاب ويأخذ زمام المبادرة بيده.

اضافة الى تأثير العامل السوري المباشر على المزاج الشعبي الاردني تقفز الى السطح عوامل اضافية للتصعيد اهمها الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي لم تكن حاضرة بالقوة نفسها في الموجة الاولى حيث سيطرت شعارات الاصلاح السياسي. خاصة وان هناك توجها حكوميا لرفع اسعار مشتقات النفط بعد الارتفاع في اسعارها عالميا.

ومن العوامل الاضافية ايضا قضية خالد شاهين التي ما زالت تتفاعل بقوة في الاوساط الشعبية وينظر اليها كدليل ملموس على غياب الارادة السياسية لمكافحة الفساد, وتصاعد حركات الاحتجاج المطلبي من جديد ممثلة في إضراب الاطباء وفئات نقابية اخرى تستعد لخطوات مماثلة.

وفي ميدان الاصلاح السياسي ثمة مخاوف جديدة من الالتفاف على لجنة الحوار الوطني وإفشالها من الداخل, والعودة الى سياسة القبضة الأمنية.

لكن ما ينبغي التوقف عنده من طرف المسؤولين في الدولة ان الوسائل والسياسات التي جرى اعتمادها لمواجهة الموجة الاولى من التغيير لا يمكن اللجوء اليها في المرة الثانية, لان جزءاً منها باهظ التكلفة ويصعب على الدولة تحمل النتائج, والجزء الآخر صار مكشوفا ومن المستبعد ان ينجح ثانية.

الخيار الأسلم في مواجهة الموجة الثانية هو الالتزام بتنفيذ وعود الاصلاح, لا بل توسيع الحزمة لتشمل مطالب اخرى ما زالت عالقة على اجندة الاصلاح, وتسريع الخطوات المطلوبة في هذا الاتجاه, والتقدم بخطة اقتصادية جديدة وبموازاة ذلك مواصلة العمل على جبهة مكافحة الفساد وبلا تردد او انتقائية.

العرب اليوم