كيف نقرأ "أحداث" المباراة؟ (2-2)

كيف نقرأ "أحداث" المباراة؟ (2-2)
الرابط المختصر

تناولنا أمس القراءة المباشرة لمباراة الفيصلي والوحدات، وما حدث بعدها من عنف تجاه جمهور الوحدات، وطبيعة المعالجة المطلوبة في هذا الجانب. لكن القراءة الأكثر عمقاً واتساعاً تقتضي مراجعة "الأجواء" السياسية قبل المباراة وبعدها، وقد باتت مكوناً رئيساً للمناخ العام خلال الأعوام الأخيرة.

سبقت المباراة تعبئة واسعة لدى جماهير الفريقين، كالعادة. لكن من الواضح أنّ منسوب هذه التعبئة والحشد بدأ يأخذ في السنوات الأخيرة أبعاداً اكثر خطورة واتساعاً، ويعكس مزاجاً اجتماعياً متوتراً ومحتقناً، وقد شاهدت خلال العام الماضي في أثناء الاحتفالات خارج المدرجات وفي بعض أحياء عمان أنّ المسألة تتجاوز كثيراً "المشاعر الرياضية"، وإنما تعكس تنامياً لخطاب مأزوم.

الحديث عن هذا المناخ ليس جديداً خلال الفترة الأخيرة ونستدعيه ونستعيده عند كل أزمة أو مشكلة اجتماعية وسياسية، سواء بانفجار العنف الاجتماعي وتراجع الإدراك العام بدولة القانون والمؤسسات والمواطنة، ونمو الهويات الفرعية، وشعور فئات واسعة بالتهميش السياسي وأخرى بالحرمان الاقتصادي. والخلاصة التي نخرج بها، عادةً، أنّ المماطلة والترحيل سيجذِّران المخاطر والأزمات، فالخوف من استحقاقات الإصلاح السياسي سيولد تداعيات أكبر ويؤدي إلى حلول أصعب.

المفتاح في مواجهة ذلك، كما تكرر النخبة الإصلاحية، يكمن باستعادة الحياة السياسية بعد سنوات عجاف من التأميم وتحكم المنظور الأمني، ورد الاعتبار لاستقلالية الجامعات ووضع ميزان مختلف للوطنية الحقّة ومؤشراتها عنوانه الكفاءة والإخلاص والعمل وليس الادعاء والشعار وتصنيف الناس بمقاييس بالية تعود بهم إلى الأصول الاجتماعية، وذلك في كل التعيينات والقرارات والسياسات العامة.

ذلك ليس بجديد انما ما يثير ضرورة التعليق في سياق "أحداث" مباراة الفيصلي والوحدات، هو أنّ الخط البياني يشير إلى أن مسار الأزمات يتطور، وأنّ ضرورة التفكير في "نقطة تحول" حقيقية في تغيير الأمور مسألة لا تقبل التأجيل.

ما هو مقلق أكثر، في تداعيات المباراة، سياسياً أنّ البعض يريد أن يعالج المشكلة بخطاب وحديث يزيد الضرر ويدفع نحو التأزيم وليس الحل، وهنا تحديداً لا يجوز التنازل عن ثيمة رئيسة وهي أنّه لا يجوز لأحد أن يتحدث باسم شريحة اجتماعية في مواجهة الأخرى. وهذا يدفع إلى التدقيق في خطابنا، نحن النخبة الإعلامية والسياسية والمثقفين جميعاً، إذ يجب أن تكون لغة الخطاب وطنية جامعة، أما من يتحدث بغير هذه اللغة فيجرنا إلى خطابات متحاربة تمهد لمعارك لن يستفيد منها أي منا.

قبل المباراة كانت هنالك مباراة أخرى بين الرمثا والبقعة وانهاها الحكم قبل وقتها لتدخل أطراف خارجية، وبعدها عاد العنف الاجتماعي ليحرق منازل في إربد واعتداء على مواطنين، وقبل ذلك كانت السلط مسرحا لأحداث شغب، وقبلها الكرك ومدن هنا وهناك، فنحن أمام متوالية أزمات مركبة وليس أزمة واحدة.

من حق أي مواطن، أيا كان، أن ندافع عنه، سياسيين وإعلاميين ومثقفين، وأن نرفع الظلم عنه، وإذا كان هنالك خلل معين في المعادلة السياسية أو الاقتصادية، فالكل معني بها، وليس طرفا أو جهة معينة، وهو يصيب الجميع في نهاية اليوم، فكلنا للوطن وللأردن، وأي اختلافات فهي ما دون ذلك، والمواطنة فوق الجميع وهي العنوان الوحيد للعلاقة مع الدولة.

ربما يكون من المناسب نقل رسالة إلى القراء في خلفية مقال أمس، إذ اتصل معي مصدر مسؤول رفيع المستوى مؤكداً أن نتائج التحقيق ستكون واضحة وحاسمة، وسيشعر بذلك الناس.. بالطبع هذا ما نتمناه جميعاً.

الغد