كوّة الأمل بين دستوري عبد الله الأول وعبد الله الثاني
تعقد اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور اجتماعها الأول في الديوان الملكي يوم الاثنين بعد أن يرفع رئيسها دولة احمد اللوزي رده على كتاب التكليف السامي الذي منحه تفويضا كاملا للنظر في أي تعديلات ملائمة لحاضر ومستقبل الأردن.
لا أحد يحسد اللوزي, 83 عاما, شخصية سياسية بارزة لعبت دورا بارزا في صياغة تاريخ الأردن الحديث خلال العقود الخمسة الماضية, على صهوة رئاسة الوزراء, الديوان الملكي, ومجلس الأعيان. وتنسحب هذه المقاربة على رفاقه التسعة الذين اختيروا ضمن عضوية هذه اللجنة.
يفترض باللجنة أن تنفذ رؤية "دستورية إصلاحية" جريئة طال انتظارها, طلبها الملك بنفسه لتنسجم مع سنّة التطور والتقدم في المجتمع من جهة, والتحديات المصيرية من جهة أخرى.
طلب من اللجنة الخروج بإحدى أهم الوثائق في "إرثنا الفكري السياسي". حددت أهدافها: النهوض بالحياة السياسية, ترسيخ التوازن بين السلطات, تمكين مجلس الأمّة من القيام بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واستقلالية, تكريس القضاء حكما مستقلا بين السلطات على أن تأخذ بعين الاعتبار ما سيصدر عن لجنة الحوار الوطني من توصيات متعلقة بالتعديلات الدستورية المرتبطة بقانوني الانتخاب والأحزاب.
لذا يتوقع أن تكون توصياتها بمثابة صياغة دستور الأردن الحديث. توصيات أشمل من مضامين مسودة دستور طلبها الجد المؤسس الملك عبد الله الأول عام ,1950 من عشر شخصيات قانونية وسياسية بارزة تمثل بالتساوي المملكة وضفتها الغربية آنذاك.
لكنه لم يقطف ثمار حلمه. اغتيل على عتبات المسجد الأقصى المقدس عام .1951 بعدها بعام أقر دستوره, الذي اعتبره الكثيرون من بين الأكثر تقدمية في المنطقة, بعد أن راجعت اللجنة بنود القانونين الملكيين في مصر وبلجيكا, والنظام الديمقراطي في المملكة البريطانية, وانعكاسات الثورة الفرنسية على الحريات العامة في أوروبا.
ضمت اللجنة الملكية لصياغة الدستور الأول أصحاب الدولة ابراهيم هاشم, سمير الرفاعي, أحمد الطراونة, وأصحاب المعالي فلاح المدادحة ومحمد الشريقي. وعن الضفة الغربية روحي عبد الهادي, انسطاس حنانيا, عبد اللطيف صلاح, أنور نسيبة وسماحة الشيخ عبد الله غوشة.
اللجنة الملكية الثانية لتعديل الدستور الأول تضم أربع شخصيات مخضرمة تمثل الشرق أردنيين بمن فيهم نجل أحمد الطراونة العين ورئيس الوزراء الأسبق فايز الطراونة, وخمسا فلسطينيي الجذور.
بتشكيل اللجنة, يكون الملك عبدالله الثاني قد سحب البساط من تحت أقدام الأصوات المطالبة بإصلاحات دستورية منذ طالبت التحركات الشعبية والحزبية قبل شهور بتعديل النظام لحماية مؤسسة العرش - بخلاف الحال في معظم الدول العربية حيث تنتشر الدعوات لإسقاط الأنظمة. كذلك فرمل حال الاستقطاب الذي يتعمق منذ شهور حول الهوية وحدود الإصلاح في غياب حل للقضية الفلسطينية يفسح المجال أمام غالبية الأردنيين من أصول فلسطينية لممارسة حق تقرير المصير وتحديد الولاء السياسي.
فالملك يواجه اليوم أكبر تحد سياسي داخلي منذ تسلمه سلطاته الدستورية قبل 12 عاما. عنوانه: "أزمة إدارة الدولة", بما فيها تحديد حقوق المواطنة والهوية, المسؤوليات والواجبات في ظل نظام ملكي هاشمي لجميع مكونات الشعب على "أرض المهاجرين والأنصار".
وقراره الاستباقي يعكس إدراكه بأن عليه تغيير النهج وتجويد أركان الديمقراطية البرلمانية.
رياح التغيير التي تعصف بغالبية الدول العربية منذ الإطاحة بالرئيسين التونسي والمصري وتسارع وتيرة العنف بين الأنظمة والشعوب في سورية, ليبيا واليمن, توفر للنظام الملكي الهاشمي "المحبوب" لحظة تاريخية يجب استثمارها صوب التحديث المبرمج والآمن قبل أن تنفلت الأمور.
اليوم يسعى رأس الدولة لترسيخ النظام النيابي الملكي الوراثي وحفظ التنوع والتعدد في العمل السياسي الوطني بعد أسابيع من الاحتجاجات محدودة الحجم, غالبيتها ذات صبغة سلمية.
وهو يدرك بلا شك مخاطر خسارة ما تبقى من صدقية رؤية التحديث الملكي التي يرفع لواءها منذ 11 عاما دون أن تنتج أكثر من تعثر, مراوحة وازدواجية في الخطاب السياسي بين النظري والفعلي, بينما يرتع الفاسدون ويتفاقم العنف المجتمعي وانقسام الجبهة الداخلية.
عقد من الصراع بين ما يسمّى ب¯ "الحرس القديم" و"الحرس الجديد" حول النفوذ والمكاسب أضاع بوصلة الأردنيين وساهم في تراجع هيبة الدولة. والأخطر أنه مس مؤسسة العرش التي ظلت محصنة لعقود.
بقراره التاريخي ذهب الملك ضد رغبات مراكز قوى متنفذة حاولت وتحاول إخافته من تغيير سياسة الأمر الواقع.
لذا, لا تتوقع غالبية العاملين في الساحة السياسية والقانونية, وقوى المعارضة التقليدية بقيادة الإسلاميين, أن تأتي اللجنة بأقل من مطالب الملك نفسه.
ذلك حتما يعني العودة إلى جوهر الدستور مع إضافات عميقة.
دستور عبد الله الأول خضع ل¯ 29 تعديلا, جاءت كلها من الحكومات, لتمهد الطريق نحو حكم شمولي مغلف بمسحة من نظام برلماني ديمقراطي.
اللجنة الأخيرة تشكّلت وفي خلفية المشهد الداخلي المقسوم جدل عميق حول طبيعة وعمق التعديلات الدستورية المطلوبة بين وجهة نظر ترغب بالعودة إلى دستور 1952 ناقص التعديلات, مقابل التقدم بالدستور نصا وروحا للارتقاء بصيغة العمل والرقابة والاستقلالية بين سلطات الدولة الثلاث.
ما بين هذين الموقفين اجتهادات وآراء كثيرة لا يمكن القفز عنها, بما فيها مقاربات أقلية تسعى لتجريد الملك من صلاحياته الدستورية ليصبح رمزا يملك ولا يحكم, وتلك التي تعارض إجراء أي تعديلات دستورية خشية فتح الطريق أمام تقليص صلاحيات العرش لبدء تنفيذ مخطط الوطن البديل.
لجنة اللوزي اجتمعت مرتين في منزله منذ تكليفها يوم الثلاثاء. واتفقت في تفسيرها للرسالة الملكية على انها أفصحت عن "إرادة عليا ورؤية في الإصلاح وإدراك تام لخطورة المرحلة, واستجابة لمشاعر الجماهير".
اللجنة فضلت عدم تحديد مدة للانتهاء من عملها. لكن أعضاء فيها يتوقعون اكتمال التعديلات خلال شهرين.
اللجنة ستركز على ثلاث رزم: العودة لدستور 1952 مع إلغاء جميع التعديلات, مخرجات لجنة الحوار المتوقع انجازها في شهر أيار, وما تراه من متطلبات للتحديث بما فيها ضرورة إنشاء محكمة دستورية ورفع الحصانة عن الوزراء العاملين والسابقين.
ستتعرض توصيات اللجنة لتشريح مجلس الأمّة قبل أن يقرر الملك ما يقبل به وما يرفضه.
بين لجنة الدستور ولجنة الحوار الوطني, التي ستحسم القضية الأهم في قانون الانتخاب مع نهاية الأسبوع المقبل, يكون الأردن وضع مداميك لمعالم الإصلاح المنشود وصولا إلى توافق وطني.
من المتوقع أن تنهي لجنة الحوار الوطني أعمالها بعد أسبوعين, قبل أن تلحق بها لجنة الدستور اواخر حزيران على ابعد تقدير.
بعدها, سيكون لدى صانع القرار وشعبه خطة متكاملة للإصلاح لأول مرة, مسنودة بقرار سياسي استراتيجي ملكي لتطبيقها.
نحن في حلم نأمل أن يتحقق, لكن بتناغم تام مع مطالب الأغلبية وتطلعاتها في التعددية والمساواة والعدالة في توزيع الثروة. وبعد, يبقى الأمل في تحرك الغالبية الصامتة صوب التغيير الفعلي لبناء أردن القرن الواحد والعشرين وقلب الطاولة على خيارين وجد الأردنيون أنفسهم أمامهما منذ انحسار فضاء الديمقراطية: حزب الأجهزة الرسمية أو التيار الإسلامي!!.