كلمة في الأذن

كلمة في الأذن

 

يمكن للمرء إن أراد أن يدخل في مستنقع الحيرة أن يفكر بما حصل لنا بحيث انتقل إسلاميونا من المراهنة على أن الإسلام «صالح لكل زمان ومكان»؛ أي قادراً على مواكبة تطور الحياة من دون قصور أو عجز، والتواؤم معها دون أن يفقد جوهره ومعناه، إلى ممارسة واقعية، دينية مسلحة، تحاول أن تجعل الحياة تتواءم مع نسخة قديمة من الإسلام، لم يتمسك بها حتى الخلفاء الراشدون. والأهم أنها تُفقد الحياة معناها، ليس البشري فقط، بل مغزاها الذي تتحدث عنه الكتب السماوية.

 

والقصة هنا، ليست اشتهاء الحيرة. السنوات الخمس الماضية تجعل المرء يتمنى لو لديه صديقاً «داعشياً» صغيراً ليناقشه. ليسمع منه ويسمعه. لكن هذا ضرب من الأوهام، لأن «أصدقاءنا» الذين ولدوا من رحم «الربيع العربي» لا يسمعون ولا يستمعون خارج الفتوى وأوامر «أمير المؤمنين».

 

بل أن هذه الحقيقة ذاتها، تنبه المرء إلى مفارقة مفجعة: لقد خرجت انتفاضات «الربيع العربي» متحررة من كل الأطر السياسية، الرسمية والمعارضة على حد سواء. وتلامست بشدة مع «حركة» الحقوقيين العرب في أوروبا (منّاع والمرزوقي وغيرهما)، لكنها حينما أسقطت الأنظمة أو نالت منها، تحولت إلى حركات دينية متطرفة لا تطبق الإسلام، الذي تعلمنا أنه صالح لكل زمان ومكان، إنما نموذجاً مستلهماً من عهود الانحطاط الأوروبي في القرون الوسطى، وتستعيد محاكم التفتيش الكنسية بأبشع صورة ممكنة!

 

هذا شيء كنت سأهمس به في أذن صاحبي الداعشي الصغير، لو كان لي مثل هذا الصديق!

 

وبما أن الصغير يذكّر بالكبير، كنت بالتأكيد سأهمس بأذن صاحبي الداعشي الصغير، متسائلاً: لماذا لم يعد لدى العالم ما يضعه في أذن داعشي صغير، سوى رصاصة مصوبة، بينما الداعشي الكبير يمكنه أن يكون جزءاً من وفد تفاوضي، وقد يكون دولة معترفاً بها في الهيئات الدولية، تنادي بالقضاء على الداعشيين، وتستعين في الوقت نفسه بالسيف أداة دستورية لتنفيذ العقوبات المدنية من دون أن يثير ذلك سخط أحد، حتى الحقوقيين العرب في أوروبا والأوروبيين أنفسهم، بما في ذلك القادة المنتخبين ديمقراطياً، ويفزعون لخلل بمحاكمة في دولة لا تطبق عقوبة الإعدام من أصله.

 

كنت كذلك، سألفت انتباه صديقي الداعشي الصغير إلى ما يحدث في العلاقة مع أوروبا؛ يذهب إرهابيون صغار إلى العواصم الأوروبية، ليس من باب «اطلبوا العلم ولو في الصين»، لكنهم يذهبون مسالمين إلى أوروبا، وما أن يجتازوا الحدود حتى يفجروا نهايات دموية لا تبررها حماقات السياسيين الأوروبيين، الذين يعتقدون أن حدود البراغمانية تتسع لمجاملة الإرهاب واستخدامه في الضغط السياسي (ساركوزي، وأولاند، وكاميرون).

 

أود أن أسأل لماذا انتقلنا من احترام أمهاتنا وأخواتنا إلى احتقارهن واعتبارهن سلعة متداولة بين الذكور، باسم الإسلام.

 

لا رغبة لدي في الدفاع عن الإسلام، لكن هل يمكنني أن أنسى جدتي، التي كان افتتانها بجمال آدميتها أقوى من كل وعود الآخرة، وانسجامها بعلاقاتها الإنسانية تجعلها تقول «الجنة بدون ناس ما تنداس»، وتقصد ناسها هنا.

 

لا أريد أن أسترسل. لأن من العبث الحديث مع داعشي من أي حجم. لكن لو كان لدي صديق داعشي صغير، لنبهته: ليس لدى العالم ما يضعه في أذنك وأذني سوى رصاصة مصوبة..

 

وسيكون العالم سعيداً أنه قتلني بشبهتك، وأنه قتلك متهماً بي!

 

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

أضف تعليقك