قِـلّـة حَيا!

قِـلّـة حَيا!

أن يمنح نوابنا الأشاوس أنفسهم تقاعداً أبدياً، ولمّا ينشف عَرقهم بعد من إقناع المعلّمين بتأجيل علاوة الطبشورة لصعوبة الوضع الاقتصادي و... إلخ إلخ والوطنية و... إلخ إلخ والمسؤوليات و... إلخ إلخ والنفقات و.. إلخ إلخ، هذا أمر لا يفاجؤني.

لمَ؟ إن مجلس نواب صوّتَ ضد التحقيق بتزوير الانتخابات النيابية، وإن نائباً أطلق النار من كلاشنكوفه على زميله تحت قبة المجلس، وإن نائبةً تهرِّب موقوفاً وتدهس شرطياً، وإن نائباً يضرب الضيف بالحذاء في بث حي ومباشر في برنامج حِواري، وإن نائباً يطالب المواطنين الذين بلغوا السبعين من العمر أن يُريحوا الناس منهم، وإن نائباً يطالب بمنع مصافحة المواطنين للملكة والأميرات حفاظاً عليهن من ضعاف النفوس، وإن نوّابَ يتغيّبون لإفشال ﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺨﺼﺨﺼﺔ اﻟﻔﻮﺳﻔﺎت واﻟﺒﻮﺗﺎس واﻻﺳﻤﻨﺖ واﻻﺗﺼﺎﻻت، وإن نائباً تفقع مرارته من زميل له فيقول تحت القبّة: "تحملناك كثيراً، انت مش شايف حدا بعينك.. نحن مش نسوان!". إن مجلساّ يقوم بكل ما ورد أعلاه ثم لا يكون إسقاطه هو المطلب الأول والوحيد لكل مواطن أردني، إن مجلساً كهذا له أن يفعل أكثر من هذا وله أن يضع قدميه الاثنتين في ماء بارد كمان!.

وعلى سيرة الـ"نسوان"، لا يفاجؤني تقرير اليونيسيف الأخير الذي يشير الى أن 90% من النساء في الأردن يبررن لأزواجهن ضربهن.

لمَ لستُ متفاجئة؟ لأن هؤلاء النساء كنّ طفلات في أسرنا الأردنية السعيدة التي يقول تقرير اليونيسيف عنها أن 93% من الأطفال الأردنيين بين عمر خمس وتسع سنوات يتعرضون فيها للعنف البدني ومنهم 21% للعنف الجسدي الشديد، وأن 90% من الأطفال الأردنيين فيها بين عمر سنتين إلى أربع سنوات يتعرضون للعنف البدني.

كذب؟ افتراء؟ مؤامرة كونية؟ مبالغات؟ حسناً فليقم مصدر رسمي مسؤول بالدقّ على صدره وإعلان أنه لن يقبل الإساءة للأردن بهذه الطريقة، ويعيد الدراسة ويخرج لنا بأرقام أخرى.

لكن.. هل سنصدّق مصدراً رسمياً مسؤولاً فعلاً؟ لم تصدُق معنا يوما لا الإذاعة الرسمية ولا التلفزيون الرسمي، بل كان تأكيد المتحدث الرسمي لأمر ما يعني تأكيد العكس تماما. حتى في أيام الفقر الإعلامي، حين لم يكن سوى التلفزيون السوري وتلفزيون العدوّ، كنا نتسقّط الأخبار من كلّ مصدر سوى المصدر الرسمي المسؤول، ورغم المليون فضائية والمواقع الإخبارية والعزارات التي عليها شهود، ما زالت مصادرنا الرسمية المسؤولة تستغبينا بشكل غبي.

وعلى صلة بنقابة المعلّمين، لم يفاجئني أن تتعهّد اتحادات الطلبة في أربع جامعات بسد العجز الناجم عن اضراب المعلمين.

حين كنت على مقاعد الدراسة، كانت الجمعيات الطلابية (المكافئ لاتحادات الطلبة الآن) أجهزة مخابراتية صرف، والهيئات التدريسية في أغلبها، باستثناء قلة محترمة، هم الدكاترة الذين ابتعثتهم الجامعة لاستكمال دراساتهم العليا، وهؤلاء كانوا من كَتَبة التقارير المخابراتية. ولا زلت أذكر أن عميد كليّتي -الهندسة الكهربائية- قام بدور المحقّق باقتدار أكبر بكثير من أدائه الأكاديمي البائس لدرجة أنني كنت أود نصحه بتغيير مساره الوظيفي.

طيلة سنوات الدراسة، لم نستطع الشعور بالانتماء للجامعة التي كانت عبارة عن "عالم ليس لنا" بل لطلبة المخابرات ودكاترة المخابرات واتحادات المخابرات.

لذا لا أتفاجأ من عرض اتحادات الطلبة الأربعة ولا أراه سوى نكاية بنقابة المعلمين "الإخوانية" ولا يفاجؤني أن يتم وصف نقابة المعلّمين بالإخوانية لإخراس كل من تسوّل له نفسه بالتضامن مع مطالب المعلّمين.

يفاجؤني تفاجؤك! يفاجؤني الانصعاق المرسوم على وجهك وأنت تعيد ذكر هذه الأرقام والمعلومات بأقصى درجات الدهشة! يفاجؤني إطلاقك وصف "قلّة الحيا" على كل هذه الأفعال الشائنة من عنف وفساد وانتهازية وعدم اكتراث، وكأنك سقطت من كوكب آخر فجأة على هذا الوطن السعيد!

"نحن الإثنان بلا وطن يا وطني"

روائية أردنية مقيمة في السويد. حائزة على جائزة الشارقة عن روايتها الأولى “ثلاثون”. صدر لها رواية “كأنها مزحة”، وكتاب “دليل الاستخدام”.

أضف تعليقك