قياس نزاهة الاقتراع في عين "الوطني" و"المدني"
المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي يقود فريقا وطنيا لمراقبة الانتخابات والتحالف المدني لرصد الانتخابات 2010 (راصد) يتصدران جبهة مهمتها قياس التزام الحكومة بنزاهة, عدالة وشفافية إجراءات الاقتراع من ألفها إلى يائها وسط مؤشرات متزايدة على تسجيل مقاطعة واسعة لأسباب سياسية, تذمرية ومطالبية.
في ذلك مفارقة ذات دلالات مهمة مقارنة مع فسحة الاطلاع المحدودة التي سمح بها لهاتين الجهتين لأول مرة عام .2007
الكثير من الأردنيين المشككين والدول الغربية المانحة تراهن على دور الفريق الوطني و"راصد" المدني في رصد الانتخابات في غياب رقابة إعلامية وتشريعية فاعلة وضبابية رسمية تلامس حدود الانقسام الداخلي حيال أسس مشاركة فرق خارجية في رصد الانتخابات مثل المعهد الديمقراطي الوطني الذي يموّل غالبية أنشطة المجموعتين. فالجميع يتابع بشغف سلسلة التقارير الصريحة والواضحة الصادرة عنهما والتي ساهمت في تصويب الكثير من الإجراءات; منها مثلا المتصلة بمراقبة مدى التزام العاملين بمراكز التسجيل بتعليمات إعداد جداول الناخبين ومقدار خضوعهم للضغوط الاجتماعية وذلك من خلال مراقبي المجموعتين المتواجدين في تلك المراكز طيلة فترة التسجيل وفسحة الاعتراضات.
المركز الوطني كان كسب ثقة الداخل والخارج بعد أن أظهر استقلالية غير مسبوقة حين تجرأ وانتقد علانية الممارسات التي شابت الانتخابات الأخيرة وقبلها أوضاع السجون والتوقيف الإداري التعسفي وحقوق الإنسان. تتعاظم أهمية هذا المركز, صوت المنطق والعقلانية شبه الوحيد, في غياب رقابة تشريعية وإعلامية فاعلة تسلط الضوء على مكامن الخلل التي قد تعتري العملية الانتخابية وصولا إلى تضييق فجوة الثقة المتنامية.
لكن أمام تراجع ثقة مواطنين وشكوك الغرب في العملية الديمقراطية لا يبدو أن حسن نوايا الحكومة كافيا لطمأنة الجميع بقدرتها على ترجمة مضامين كتاب التكليف حول تأمين ضمانات الشفافية والنزاهة. فحسن النوايا وحدها لا تكفي لتغيير سلبية قطاعات مجتمعية كبيرة فقدت الأمل في إحداث تغييرات ايجابية بعد التزوير الذي شاب صناديق 2007 قبل أن "يبلعوا موس" تمرير قانون انتخاب إشكالي يستبعد أن يساهم في إدخال إصلاحات جوهرية تدفع باتجاه فرز مجلس سياسي فاعل.
دور الفريق الوطني والتحالف المدني حيوي ومهم للعملية الانتخابية, بدءا من عملية تسجيل الناخبين وتثبيت الدوائر الانتخابية مرورا بنشر الجداول وعملية الاعتراض على أصوات نقلت بصورة غير مشروعة خلال السنوات الماضية وانتهاء بعملية الاقتراع يوم 9 تشرين الثاني, وأخيرا الفرز وإعلان النتائج. وكان الطرفان أقرّا مدونة سلوك للمتطوعين الذين سيراقبون العملية بما فيها أربعة آلاف صندوق اقتراع.
ستعتمد هذه الهيئات على راصدين متحركين وثابتين ضمن برنامج متكامل ساهم في تمويله المعهد الديمقراطي الوطني - منظمة غير ربحية منتشرة منذ ربع قرن في 60 محطة حول العالم تستهدف توطيد الديمقراطية ونشرها على نطاق واسع من خلال شبكة خبراء ومتطوعين وأسلوب تقييم منهجي. سينتشر المراقبون في مراكز اقتراع مناطق الثقل السكاني وبؤر الحراك الانتخابي الساخن مثل عمان, البلقاء, اربد, الزرقاء وبعض دوائر مأدبا. وسيجول عدد منهم على أكثر من مركز خلال نهار الاقتراع والفرز.
يقود المركز الوطني فريقا من 60 مراقبا "طويل الأمد" يمثّلون 50 منظمة مجتمع مدني. وهم يتابعون سير العملية الانتخابية منذ إقرار القانون المؤقت وبالتحديد يوم الاقتراع. في ذلك اليوم, سينشر المركز 1200 متطوع لمراقبة الانتخابات بعد أن وافق لهم رئيس الوزراء سمير الرفاعي في 6/6/2010 على دخول غرف الاقتراع ومراقبة عملية الانتخاب والفرز وصولا إلى إعلان النتائج. في هذه الموافقة المبكرة دلالات مهمة إذا ما علمنا أن الحكومة التي أشرفت على انتخابات 2007 لم تمنح هكذا موافقة إلا قبل أربعة أيام على بدء التصويت ولعدد محدود, ما أضعف جهود مراقبة المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان.
أما راصد, فيرتبط به 2000 مراقب- متطوع, من 25 منظمة مشابهة. تقارير هذا المركز الأسبوعية واستبياناته ألهمت أيضا عدة تحسينات على إجراءات العملية, بعد كشف ثغرات أو ملاحظات سلبية. عامر بني عامر, منسق تحالف راصد يقول: "لا يوجد توجه حكومي لتزوير الانتخابات. وهي تبذل جهدا كبيرا لضمان معايير الشفافية والنزاهة. لكن كان هناك بعض الخروق مارسها مواطنون متنفذّون ونواب سابقون عبر موظفي الدولة خلال عملية التسجيل".
حتى الآن, أصدر المركز الوطني تقريرين دوريين. وهناك ثلاثة على الطريق تسلط الضوء على مراحل المشاركة في العملية الانتخابية, قبل أن ينشر تقريرا شاملا بعد شهرين على تاريخ إغلاق صناديق الاقتراع. كذلك سيصدر تقريرا منفصلا يتناول, في تحرك فريد, حيادية وسائل الإعلام المقروءة, المسموعة والمرئية في تغطية العملية الانتخابية على أسس التوازن, المهنية في نقل الرأي والرأي الآخر, والموضوعية بعد أن شرع في رصد المحتوى قبل شهر ويزيد.
خلال الشهور الماضية, خاطب المركز الحكومة أربع مرات "عندما لمس أمورا وإجراءات بحاجة للتصويب. وتجاوبت الحكومة مع عشر من 22 توصية كان قد رفعها ضمن دراسة شاملة تضمن رؤيا تقدمية واضحة حيال ضرورة سن قانون انتخاب جديد يدخل تعديلات جوهرية على دور البرلمان الرقابي والتشريعي لترجمة الوعود بالإصلاح السياسي.
من بين التوصيات التي قبلتها الحكومة نشر جداول الناخبين وحق الاعتراض على "الأصوات المهاجرة". وقد أعادت ترحيل أكثر من 165.000 صوت تم إرجاعها إلى دوائرها الأصلية بعد أن نقلت بطريقة غير مشروعة على صهوة مال سياسي ضخ بكثافة في الانتخابات الماضية. يصب ذلك في رصيد الحكومة, سيما أن تلك الأصوات غيرت وجهة انتخابات 2007 وحرفت مسار العملية الانتخابية ضد المصلحة الوطنية العليا للدولة.
الآن يبدو المركز "مطمئنا إلى حد كبير بأن الحكومة معنية بضبط إجراءات الانتخابات استنادا إلى مبادئ الشفافية, العدالة والنزاهة" التي طلبت منها.
لكن لا ننسى أن الحكومة كانت غضّت الطرف عن توصيات جوهرية قبل إصدار قانون الانتخابات المؤقت بما فيها توسيع تقسيمات الدوائر إدخال مفهوم صوتين لكل ناخب: للمرشح المفضل (مناطقي, عشائري حزبي ومستقل) ونسبة أخرى للوائح وطن قادرة على جذب أصوات مؤيدين لبرامج اقتصادية, اجتماعية,سياسية تحملها التحالفات والأحزاب. تلك التعديلات كانت ستساهم في توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار وتمؤسس لمجلس سياسي قادر على فرز حكومات مدعومة من تكتلاته الأساسية بدلا من الآلية الحالية التي غدت عبئا على النظام بسبب تدوير الوجوه والمقاعد بين أقلية محظوظة لا تتمتع بثقل لدى القواعد.
إصرار الحكومة على حث الناخبين, بخاصة فئة الشباب ومن ينتخب لأول مرة, على المشاركة في الانتخابات, والتزامها بتجويد العملية وضمان نزاهة إجراءاتها يحسب لها وليس عليها. لكن العوامل التي ستتحكم بتحميس الشارع الأردني الفاتر على المشاركة في الانتخابات تعتمد إلى درجة كبيرة على نتائج لقاء الرفاعي مع الإسلاميين إلا إذا أجريت بالاستناد إلى قانون جديد ونفسّت الحكومة الأزمات السياسية مع شرائح مجتمعية واسعة مثل المعلمين, المتقاعدين العسكريين وعمال المياومة.
ويبقى من السابق لأوانه تقدير صدقية المقاربة الحكومية المتأخرة في حلحلة الأزمات. فالحكومة تحركت بناء على تدخل مباشر من الملك. وعليها إثبات فيما إذا كان ذلك بداية تغيير استراتيجي بعيدا عن نمط من الفوقية رسخّتها انطباعات ناتجة عن ممارسات أعضاء في الفريق, أم انه مجرد عملية تجميل لتفكيك الأزمات وتجميل صورة الحكومة قبل الانتخابات لضمان استمرارها بعد انتهاء "العرس الانتخابي"?
فالرهان على ضمان نسب مشاركة فوق 50 % ممن يحق لهم الانتخاب يعتمد على تراجع الإسلاميين عن قرار مقاطعة الانتخابات ترشيحا وتصويتا ومدى إنقشاع أجواء خيبة الأمل وفجوة الثقة لدى قطاع واسع من الأردنيين. كذلك يجري الرهان على مشاركة الأصوات المهاجرة المعادة إلى دوائرها الأصلية وقدرة الحكومة على ضبط وإفشال صفقات بيع وشراء الأصوات يوم الانتخاب داخل نفس الدائرة الواحدة.
ويأمل المراقبون في أن تنشر الحكومة أولا بأول أسماء المرشحين في الدوائر الفرعية وتوفر عدالة في تغطية المرشحين لدى وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية. والأهم منذ ذلك أن تسمح لتحالف "راصد" وفريق الوطني بدخول مراكز الاقتراع علما أن الطرفين أرسلا كتبا رسمية في هذا الشأن قبل شهور ولم يصل أي رد لتاريخ اليوم.
في الأثناء يبقى سؤال آخر بحاجة الى إجابة: هل ستمنح الحكومة كامل الحرية لرغبة أطراف خارجية في رصد الانتخابات بطريقة فاعلة مثل المعهد الوطني الديمقراطي بعد أن أرسلت لها إشارات واضحة بأنها مرحب بها لمشاهدة ومتابعة العملية الانتخابية دون أن تعطيها الحق في إصدار تقارير أو تصريحات تحمل في طياتها أي سلبيات قد تشوب العملية.
فما تسمعه المنظمات الخارجية خلال اجتماعاتها بوزير التنمية السياسية والناطق الرسمي للانتخابات يفيد بأن لمراقبيها حرية دخول مراكز الاقتراع كافة "لمشاهدة وملاحظة" الانتخابات بدون إصدار أحكام علنية, لكنها لغاية الآن لم تتلق موافقات مكتوبة حتى الآن. الخطاب الرسمي يؤكد أن "دولة الرئيس منفتح على الرقابة الداخلية والخارجية لأنه لا يوجد لدى الحكومة ما تخشاه. وهي منفتحة للتعامل مع أي اقتراحات لتحسين العملية الانتخابية لكنها لا تريد للجهات الخارجية أن تصدر أي تقارير نهائية تتضمن أحكاما إيجابية أو سلبية على العملية الانتخابية", بحسب ما يقول وزير عامل.
لكن الحكومة ربما تنسى أن باستطاعة هذه الجهات قول ما تشاء لحظة مغادرتها البلاد.
العرب اليوم