قوى دينية تتصارع

قوى دينية تتصارع
الرابط المختصر

 

 

 

هل نحن ننحدر أم نصعد؟ كثيرون بالطبع يعتقدون أننا وصلنا إلى دركٍ ما بعده درك، وأننا الآن نعيش مرحلة وقف التدهور، ونحن بعد ذلك لا محالة صاعدون، وعائدون، وقادرون على استعادة موقعنا من الحضارة والإنسانية، لكن كيف يمكن أن يكون هذا هو واقع الحال في حين لا يسار!

 

وأحب أن أؤكد، هنا: هذه ليست أطروحة أيديولوجية، بل حقيقة كونية. كل تطور و«صعود» ارتبط بيسار ما. مع ملاحظة أنه في تلك العهود التي لم يكن قد ظهر فيها اليسار، يسارياً صريحاً باسمه ودقيقاً بمعناه، كان هناك «يسار» بتقدميته. ولكن منذ أواخر القرن العشرين إلى اليوم أصبح اليسار الواضح باسمه ومعناه ضرورة الحد الأدنى، وغيابه مؤشر على الاتحدار الى القرار حتى أن أفضل عهود الرأسمالية هي تلك التي اضطرت فيها على إيقاع اليسار أن «تتقدم»..

 

اليوم نعيش في عصر الحروف الطائفية، والنوازع الدينية، في المعسكرين المتناقضين على حد سواء!

 

هناك ظلاميون لديهم نسختهم الدينية الاحترابية والتكفيرية، وهناك «تقدميون» لديهم نسختهم الدينية «العصرية» «الجهادية» «المقاومة»؛ الدينية بالأساس، التي تجمع الطرفين على الموقف من المرأة، والحقوق المدنية، وعلى التوزيع والإدارة الرأسمالية، وخلافه..

 

لم يكن الدين مشروعاً يسارياً، في يوم من الأيام. كان على العكس أداة رأسمالية. ويمكن للمشككين أن يدققوا بتجربة ارنستو كاردينال، ويتذكروا أنه ذهب إلى اليسار، ولم يتولّ إدارة شؤونه، ولم يخلق كياناً بديلاً عنه..

 

نحن بالتأكيد ما نزال في مرحلة الانحدار، بمعنى أن ما يحصل اليوم ليس آخر ما في جعبة التاريخ من «هدايا» لنا. والمزيد من انحدارنا لن يعطل العالم، ولن يوقف التاريخ، أن يحيده عن مساره؛ لذا، فإن دولة مثل الأردن، أصبحت محاطة بالظلامية المذهبية الدينية والطائفية المقاتلة أو السياسية من كل الجهات، لم يعد السفر منها وإليها ممكناً براً، هي بأشد ما يكون إلى فتح المجال أمام نشوء يسار، لا إلى عبقرية رئيس وزراء الـ«بال سيكام».

 

نحتاج إلى أخذ البلاد بعيداً عن الطموحات «العذبة» التي توهمنا أننا في وضع يؤهلنا لانتظار حصة في التقاسم الدولي، وأن نوجه جهودنا ليس فقط إلى النجاة من أهوال الأزمة الإقليمية فقط، بل الذهاب إلى خيار يخرجنا من الحيرة «الأردنية» التقليدية، ويؤمننا بالذهاب أماماً، مع عفو من الغرق في تبعات التحالف الدولي، الذي له تأثير المضاد لحيوي الضعيف: يزيد من مناعة «داعش» ولا يقتلها..

 

و«داعش» عدو خطير، لكنه ليس الأول في ترتيبه، بالمناسبة!

 

العدو الأول هو مع «حليف» سيحول الحرب مع «داعش» إلى حرب على كل المنطقة في غضون هاتين السنتين، ويضعنا أمام حالة تشبه الجنون العراقي، الذي قتل صدام حسين، ثم سيدخله بعد حين في طقوس اللطم المذهبية..

 

وهنا، مشكلة عربية قبل أن تكون أردنية: لا يسار أردني، إلا على المستوى الشخصي!

 

اليوم بالذات، يصبح اليسار الأردني ضرورة. لوضع نقطة بداية لتحرير مصر والعالم العربي من الأوهام السيسية، ومنحنا فرصتنا الأخيرة في تجنب حكم الإعدام الصادر بحقنا، وإغراقنا بأحابيل المنطقة.

 

لا فائدة، فنحن، في الطرفين، قوى دينية تتصارع!

 

  • ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.
أضف تعليقك