قناة البحرين المفاجئة

قناة البحرين المفاجئة
الرابط المختصر

بطبيعة الحال، فإنّ البعد السياسي للاتفاق الثلاثي الأردني الفلسطيني الإسرائيلي، هذا الأسبوع، بخصوص محطات تحلية مياه على البحر الأحمر، ونقل مياه ومحاليل ملحية إلى البحر الميت، والمضي في دراسة قناة بين البحرين "الأحمر" و"الميت"، هو الذي يحدد غالبية ردود الأفعال.

جاء الإعلان مفاجئاً لغالبية الناس، بترتيبات يبدو أنّها كانت تتم بصمت بعيداً عن الأضواء. وهذا يعزز لدى الناس والمتابعين، حالة التخوف المزمنة من أنّهم يفاجأون دائما باتفاقيات وترتيبات "تُطبَخ" مع الإسرائيليين بهدوء. وبالتالي، سيتوقع الناس، وسيتخوفون من المزيد من الاتفاقيات والترتيبات التي يفاجأون بها دائماً، من دون أن تخضع لتمحيص وقراءة من الرأي والمجتمع سلفاً.

ربما تكون هناك وجهات نظر للمتخصصين في البيئة والمياه بشأن أهمية هذه المشاريع. ولكنّ هناك سؤالين يُطرحان من زاوية المتخصصين في السياسة والمفاوضات. أول هذين السؤالين هو: هل تم الفصل التام بين الملفات والمسارات السياسية من جهة، وبين باقي المسارات؟ أليست هذه هي نفسها أفكار السلام الاقتصادي، ومشاريع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بشأن الاقتصاد؛ إذ يُراد أن تمضي شؤون البيئة، والمياه، والاقتصاد، والسياحة، وتكنولوجيا المعلومات، من دون ربطها بتقدم مسيرة التسوية وحل الصراع بشأن موضوعات الانسحاب الإسرائيلي؟ وهو ما يعني فعليا تطبيع وجود إسرائيل، حتى من دون تسوية تضمن الحد الأدنى (أو حتى أقل قليلا) من المطالب العربية والفلسطينية الجغرافية والسياسية. وهو ما يعني أنّه سواء تم التوصل لاتفاقيات سلام أم لا، يمكن أن تمضي الكثير من المشروعات التطبيعية.

السؤال الثاني هو: هل أصبح التعامل داخل كل ملف ومسار "بالقطعة"؟ بمعنى أنّ مشكلات المياه مع إسرائيل كثيرة؛ فمثلا الوضع المائي الحالي في البحر الميت، كما يتناول الإعلام عادة، مرتبط بمشاريع لتحويل مسارات المياه من بحيرة طبرية والأنهار المختلفة، لمصلحة مشروعات إسرائيلية، وعلى حساب حصص الفلسطينيين والأردنيين من المياه. وتوضع عدادات مياه على الآبار داخل مزارع الفلسطينيين وآبارهم الخاصة، وتُسحب المياه من مصادرها الفلسطينية في الضفة الغربية إلى محطات وآبار "إسرائيلية"، ليعاد بيعها للفلسطينيين. وبحسب الأرقام المتداولة تقليديا، يحصل الفرد الفلسطيني على أقل كثيراً مما يحصل عليه المستوطن الإسرائيلي في الضفة الغربية، ويدفع أضعاف الثمن الذي يدفعه هذا المستوطن. وبينما يعطش الفلسطينيون من دون مياه، يحظى المستوطن القاطن على بعد أمتار منه، بكل ما يريد من مياه؛ للشرب، والاستحمام، والاستجمام، والزراعة. أضف إلى كل هذا، بناء جدار الفصل العنصري داخل أراضي الضفة الغربية، بما يجعل مصادر مياه رئيسة للفلسطينيين، غرب الجدار؛ أي تحت السيطرة الإسرائيلية، في محاولة لضم هذه المصادر مستقبلا في أي تسوية سياسية.

هل من المنطقي بعد هذا كله التعامل مع ملفات المياه بالقطعة، وأن يتم قبول اتفاق جزئي هنا وهناك؟ ربما سيكون الجواب أنّ الضرورات البيئية، والمياه، هي ملفات لا تنتظر، وأنّ الاتفاق سيسهل حياة الكثيرين من الأردنيين، كما سيساعد الفلسطينيين. هذا هو المنطق ذاته الذي يحكم كثيرا من عمل الدول المانحة، وخصوصاً الولايات المتحدة، في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فما بات يحدث، مثلا، هو أنّ إسرائيل تغلق طريقا موجودة منذ ما قبل الاحتلال، وربما يعود عمرها إلى مئات السنوات، فيضطر الفلسطينيون إلى اللجوء إلى طرق وعرة وصعبة، ربما كانت للمواشي والرعاة. والآن، يعلن الأميركيون بسرور، ويحتفل المسؤولون الفلسطينيون، بأنّهم قدموا للفلسطينيين هدية من الشعب الأميركي، بتوسعة وتعبيد هذه الطرق، التي ربما لم يكن لها ضرورة لو بقيت الطرق القديمة مفتوحة، أو لكانت شيئا تكميليا. ولا يتم الالتفات إلى فتح الطرق المغلقة، فتكون "المنحة" لتمويل بدائل عما دمره الاحتلال؛ أي لدفع تكاليف الاحتلال. فهل الاتفاق الأخير حل لمشكلات كان يمكن تلافيها لو تغيرت السياسات الإسرائيلية؟

هناك شق في الاتفاقية، بحسب النصوص المعلنة في الإعلام، بحاجة إلى تمحيص، وهو أنّ الفلسطينيين سيحصلون على "شراء" كميات مياه من الإسرائيليين. وسيكون إيجابيا إذا كان دخول الفلسطينيين في الاتفاق اعترافا بسيادة ونصيب لهم في البحر الميت، ولكن لا يبدو هذا واضحاً. وتبدو مسألة "حق الشراء" غريبة في سياق كميات المياه الفلسطينية المصادرة يومياً.

الغد

أضف تعليقك