الأصل في دولة المؤسسات والقانون، الشفافية، والمساواة، والعدالة، وتكافؤ الفرص، وتوزيع عوائد التنمية بعدالة، ونبذ كل أشكال الفئوية والجهوية والطائفية والإقليمية، ومحاربة كل أشكال الفساد؛ سواء كان فساد الواسطة والمحسوبية، أو أي فساد مالي وإداري آخر.
وسندا لذلك، وقبل أن يتم الحديث عن ضرورة تحميل المواطن للظروف الاقتصادية التي يمر بها الوطن، وهي ظروف محقة في بعضها، فإن على الحكومة في المقام الأول إقناع المواطن أن البوصلة تشير حاليا إلى الطريق الصحيحة، وأن الهدف هو تصحيح المسار وليس زيادة الفقير فقرا والغني غنى.
علينا قبل رفع الأسعار إقناع المواطن أن ابن الغفير وابن الوزير ستتم معاملتهما بميزان واحد، وأن عامل الوطن والوزير والمسؤول والمتنفذ سيتحمل كل منهم مسؤوليته بحسب دخوله، دون أن يشعر العامل والفلاح ومحدود الدخل ومتوسطه أنه يدفع من أجل أن يملأ المتنفذ بطنه فسادا ومحسوبية وتضخما.
يمكن للمسؤول حث المواطن على أن يتحمل، ولكن قبل ذاك عليه تأكيد أن الكلام عن محاربة الفساد جدي، وأن اجتثاث الواسطة والمحسوبية يسير وفق أسس واضحة، وأن لا يفاجأ المواطن يوميا بسؤال عن أصله وفصله، ومن أين أنت، وهل تعرف فلان ومدى قرابة المسؤول الفلاني منك.. وغيرها من الأسئلة التي تُشتم منها رائحة إقليمية وفئوية وجهوية ضيقة.
ظروفنا الاقتصادية غاية في الصعوبة، نعم؛ وموازنتنا تئن من مديونية وعجز متراكمين، ولكن قبل أن نفكر في رفع الأسعار وتحميل المواطن أعباء إضافية، علينا إقناعه أن الحكومة تسير حقا في اتجاه محاربة الفساد والإفساد، ووقف الواسطة والمحسوبية، وأن الأموال المنهوبة التي يتم الحديث عنها تتم إعادتها للخزينة.
وعلى الحكومة كشف حجم الأموال التي أعادها الفاسدون للخزينة، وأين ذهبت، وأسماء الفاسدين الذين يسرقون أموال الشعب، ومحاسبة كل متنفذ أو مسؤول اعتدى على حق مواطن وأخذ دوره في تعيين أو وظيفة، ووقف التعيينات العليا التي حصلت في غفلة من الزمن، ووقف كل التعيينات التي تجري إرضاء لهذا المسؤول أو ذاك، ومحاسبة المسؤول الذي يتدخل لتمرير تعيين في غير مكانه؛ كلها أرضية على الحكومة فرشها أمام عين المواطن قبل القيام برفع الدعم عن المحروقات.
بعد كل ذلك، على الحكومة توضيح موضوع الضريبة التي يتم استيفاؤها على البنزين؛ "أوكتان 95" و"أوكتان 90"، وأين تذهب تلك الضريبة، وإن جرى احتساب الدعم بدون الضريبة، هل سيبقى البنزين مدعوما.
بما أن الشفافية مطلوبة، فإن الحكومة عليها أن تكون شفافة، وأن تقول لنا عن سر تهرب متنفذين من الضريبة، ولماذا لا تتم ملاحقتهم، ولماذا يجري غض النظر عنهم، ولما لا يتم إجبارهم على دفع ما عليهم!وقبل أن تفكر الحكومة في رفع أسعار الكهرباء، عليها وقف الفاقد والسرقة التي تتم والتي يعلم بها مسؤولون ويعرفون أين تتم السرقة والمناطق التي تعتبر الأكثر سرقة.
وعلى الحكومة أيضا قبل أن تفكر في رفع أسعار الماء، أن تفكر في وقف الهدر ومنع الاعتداءات التي تتم على خطوط الماء.
وهناك من يقول إن بعض المناطق لا يستطيع دخولها جابي الكهرباء أو الماء، ولا يتمكن من قراءة العداد فيها.
القانون الذي يطبق في محافظة ما يجب أن يطبق في كل محافظات المملكة؛ فالقصة ليست في محافظة وحدها.
وعلينا وقف الهدر شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، وإعمال القانون على الجميع، وذلك قبل التفكير في رفع الأسعار.
الموضوع ليس "قل كلمتك وامشِ"، بل علينا أن نعيد لدولتنا هيبتها، وللقانون مكانته، وللدستور رونقه، ونبعد دولتنا عن فكر الخاوات والأتاوات الذي يهدم ولا يبني.
الغد