قضية العيطان.. نبخل في التصريحات ويكرم الليبيون
لا يمر يوم من دون أن نقرأ أو نسمع تصريحا لمسؤول ليبي حول قضية السفير الأردني المختطف فواز العيطان. وأحيانا تكون هذه التصريحات غير دقيقة؛ تكفي الإشارة هنا إلى تصريحين لوزيرين ليبيين لقناة "فرنسا 24"، أكدا فيهما إطلاق سراح العيطان. وفي حالات أخرى، فإنها لا تحمل أي جديد يستحق التصريح بشأنه. ومع ذلك، فإن المسؤولين الليبيين لا يترددون في الرد على هواتف الصحفيين.
في المقابل، الوضع هنا مختلف تماما؛ فبالكاد يحصل الصحفي على بضع كلمات من المسؤولين. وإن تمكن من ذلك، تكون مجرد جمل عامة؛ غامضة ومبهمة، وبلغة حذرة لا تحتمل التأويل.
هذا الاختلاف في التعاطي مع قضية السفير العيطان له ما يبرره.
بالنسبة للإخوة في ليبيا، وفي ظل حالة الفوضى التي تعيشها البلاد، يصعب على أصحاب القرار هناك التحكم بسلوك المسؤولين وضبطهم؛ لا بل إن العديد من مطلقي التصريحات لا يرتبطون بمرجعيات واضحة ومحددة في الهرم الحكومي. كما أن التداخل الحاصل بين المؤسسات الرسمية والمليشيات القبلية المسلحة، يجعل من الصعب على المراقبين التمييز بين كلام المسؤول وقائد الجماعة المسلحة.
الليبيون معذورون؛ فهم يفاوضون على أكثر من جبهة، سواء ما تعلق منها بصراعاتهم الداخلية مع الجماعات التي تسيطر على مناطق جغرافية في ليبيا، أو تلك التي تختطف دبلوماسيين تونسيين وغيرهم من الأجانب.
والمسؤول الليبي وهو يصرح بشأن قضية السفير الأردني متحرر من اعتبارات كثيرة. فالصفقة المقترحة والتنازلات المرتبطة بها، لا تخص بلده، بل تخصنا نحن في الأردن. وهذا العنصر في القضية على وجه التحديد هو الذي يدفع بالمسؤول الأردني إلى تجنب الحديث لوسائل الإعلام، والاكتفاء بعبارات دبلوماسية متحفظة.
في أروقة المؤسسة الرسمية الأردنية قناعة بأن كشف تفاصيل ما يجري من اتصالات ومفاوضات، قد يضر بفرص الإفراج عن السفير المختطف. هذا تقدير صحيح بالطبع، لكنه ليس كافيا وحده لتفسير طوق السرية المضروب؛ فهناك حرص شديد على إخراج عملية مبادلة السفير بالسجين الليبي "الدرسي" بطريقة لا يبدو معها الأردن وكأنه يقدم تنازلا مهينا.
علينا أيضا الانتباه إلى بُعد آخر في القضية، ربما يفسر جانبا من السرية التي تحيط بها. المفاوضات مع الوسطاء والمسؤولين الليبيين تديرها جهة سيادية في الدولة، لم تتعود، وبحكم طبيعة عملها، أن تكشف لوسائل الإعلام تفاصيل مهمتها. وهذا أمر معتاد حتى في الدول الديمقراطية العريقة التي واجهت مواقف مماثلة، وعقدت صفقات خلف الكواليس للإفراج عن مختطفين، فلم يتسن ليومنا هذا معرفة ما دار فيها، والثمن الذي دفعته الدول لتخليص مواطنيها من قبضة الخاطفين.
المسؤول الأردني بخيل في الحديث لوسائل الإعلام، إلا إذا تعلق الأمر بسؤال عن إنجازاته؛ فساعتها لن يخلص منه الصحفي قبل أن يملأ دفتر ملاحظاته. أما في الحالات الحرجة، كحالة السفير المختطف، فإن الحصول على بضع كلمات يعد سبقا صحفيا.
لا نريد من مسؤولينا أن يكونوا كرماء كثيرا مثل أقرانهم الليبيين. لكن يتعين عليهم التفكير بفتح ثغرة صغيرة في جدار السرية المضروب على المفاوضات الجارية لإطلاق سراح السفير المختطف، بعد أن طالت فترة الاختطاف وتحولت إلى قضية رأي عام يتشوق لمعرفة بعض التفاصيل.
الغد