قراءتان في نسبة الإقبال على التسجيل

قراءتان في نسبة الإقبال على التسجيل
الرابط المختصر

أقل من ثلاثين بالمائة من الناخبين غير المسجلين ، والوافدين حديثا إلى قوائم المؤهلين لممارسة هذا الحق ، كلّفوا أنفسهم عناء التسجيل وتثبيت الدائرة الانتخابية على بطاقاتهم الشخصية ، وأزعم أنها نسبة متواضعة لجملة أسباب أهمها اثنان: الأول ، أن الدولة ألقت بثقلها كله تقريبا خلف هدف واحد: إقناع المزيد من المواطنين بالتسجيل واستصدار بطاقات جديدة ، مع كل ما رافق ذلك من حملات دعائية وإعلامية مكثّفة ، تمديد فترة التسجيل ، وتوفير تسهيلات وخدمات كادت تلامس ضفاف "التوصيل للمنازل" من أجل رفع النسبة بأعلى قدر ممكن.. والثاني ، تزامن التسجيل للانتخابات بموسم استصدار الأوراق الثبوتية اللازمة لخريجي التوجيهي ، الأمر الذي يدفعنا على التكهن ، بأن نسبة لا نستطيع أن نقدرها إنما أقدمت على استصدار بطاقة هوية لغاية التسجيل في الجامعات وليس في كشوف الناخبين ، ولنا أن نفترض بأن "ليس كل من سجل وثبت دائرته الانتخابية على بطاقته ، سيذهب إلى صناديق الاقتراع".

الناطقون باسم الحكومة أعربوا عن رضاهم عن هذه "النسبة المعقولة" ، وعزوا عزوف الغالبية الساحقة من غير المسجلين عن التسجيل ، إلى عوامل عدة ، منها أن قسم لا يستهان به من هؤلاء ينتمي للأجهزة الأمنية والعسكرية المحظور على منتسبيها ممارسة حق الانتخاب ، وأن قسماً آخر من هؤلاء المواطنين لا يقيم في المملكة بشكل دائم ، ولن يمارس حقه في الانتخاب ، واستتباعا ، لم يجد حاجة لتجشم عناء التسجيل ، وهذه أسباب وجيهة ، ومقنعة إلى حد ما.

نحن إذن أمام قراءتين مختلفتين لرقم واحد ، الحكومة راضية عن "نسبة التسجيل المعقولة".. فيما يميل عدد من المحللين ، ومن بينهم كاتب هذه السطور ، إلى اعتبار الرقم غير مرضْ ، وأن تواضعه إنما يعود لضعف اهتمام المواطنين بالاستحقاق الانتخابي ، و"ضعف الموسم" الذي لم يبق على بلوغه ذروته سوى بضعة شهور ، واستتباعاً ، فإن هذه الفرضية لا تستبعد إقبالاً ضعيفا على الإقتراع.

ولأن من مصلحة الأردن ، حكومة وأحزابا ومعارضة ومواطنين ورأيا عاما ، أن يُقبل الأردنيون بنسب مرتفعة على الاقتراع ، فإننا نقترح أن "لا تنام الحكومة على حرير الرضا والقناعة" ، وأن تعمل بكل جهد ممكن ، لاستغلال الأسابيع والأشهر القليلة القادمة ، لإطلاق أوسع حملة تشجيع وحث على ممارسة الحق الانتخابي ، فنسبة الإقبال على الاقتراع تعد بكل المقاييس واحدة من أهم معايير نجاح العملية الانتخابية والثقة بالبرلمان والنظام السياسي عموما ، ليس في الأردن وحده ، بل وفي كل دولة من دول العالم.

خلال الأسابيع القليلة الماضية ، أتيح لي أن أجول على عدد من محافظات المملكة ، وأصدقكم القول أن ما سمعناه من المواطنين يشير إلى أننا قد نكون أمام موسم انتخابي بارد ، ما لم نتخذ ما يكفي من الخطوات والإجراءات ، حكومة وإعلاما ومجتمعا مدنيا وأحزابا ، من أجل حث المواطنين على الخروج من منازلهم يوم التاسع من نوفمبر ـ تشرين الثاني المقبل ، لممارسة حقهم الدستوري ، ومن ثم ممارسة التنزه وزيارة الأقارب واستغلال العطلة الرسمية.

يبقى القول ، أننا ما زلنا بانتظار التقارير النهائية للمركز الوطني لحقوق الانسان ، باعتباره الجهة الأكثر صدقية في هذا المجال ، للتعرف على مستوى سلامة ونزاهة هذه المرحلة من العملية الانتخابية ، والاطلاع على ما تم رصده في هذا المجال من انتهاكات وتجاوزات محتملة ، فالعملية الانتخابية بناء متعدد الطبقات ، إن لم يتم إنجاز كل طبقة من طبقاته على نحو سليم ووفق معايير الجودة والسلامة المتعارف عليها عالمياً ، فإن البناء برمته سيكون مهددا بالانهيار ، وثمة ما يشير على أية حال ، بأننا لم نكن أمام تجاوزات كبرى أو خطيرة حتى الآن على أقل تقدير ، وتلكم أنباء طيبة.