قراءة بالأحرف الأولى لمخرجات لجنة الحوار الوطني
ستكون لنا قراءات أكثر عمقاً لمخرجات لجنة الحوار الوطني، فاللجنة من حيث التشكيل والتكليف والتوقيت، تعد محطة مهمة في مسار عملية الإصلاح، وقراءة مخرجاتها بعمق وروية، أمرٌ لا غنى عنه لكل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في بلادنا، فهل جاءت هذه المخرجات متناسبة مع حجم التوقعات والآمال التي عقدها الإصلاحيون الأردنيون عليها؟، هل جاءت بصورة تتسق وتستجيب مع "مقتضيات ربيع العرب ومندرجاته"؟، هل تصلح الوثيقة التي كشف عنها أساساً أو قاعدة حد أدنى لبناء التوافق الوطني والأجندة المشتركة للشعب الأردني بكل أطيافه ومنابته وحساسياته وأصوله؟، أسئلة وتساؤلات ستكون موضع جدل لأسابيع، وربما لأشهر عديدة قادمة.
القراءة الأولى (الانطباع الأولي)، أننا بصدد خطوة صغيرة للأمام، لسنا بصدد "اختراق" على صعيد مسار الإصلاح والتحول الديمقراطي في الأردن، ولأنها كذلك، فإنها دون مستوى طموح الإصلاحيين والديمقراطيين في البلاد،لأنها كذلك، فهي بالكاد تضع الأردن على قائمة الإصلاح والتغيير التي تشتمل الآن على عدد متزايد من الدول العربية.
في القسم المتصل بـ"المرجعيات"، لا خلاف جوهرياً على مضمون الخطاب المُتَضمّن في الوثيقة،جميع المبادئ والخطوط العريضة التي تضمنها هذه القسم، يمكن أن تشكل أساسا لتوافقات وطنية عريضة من حديث المواطنة وسيادة القانون ووحدة الشعب والمجتمع وتكافؤ الفرص ومحاربة الفساد والإصلاح في ميادينه المختلفة، كلها عناوين، يتفق بشأنها الأردنيون، ولقد تضمنتها بهذا القدر من الوضوح -وربما أكثر- وثائق وطنية سابقة، من "الأردن أولا" إلى "الأجندة الوطنية"، وقبلهما "المثياق الوطني" وما بعدهما "كلنا الأردن".
لكن القارئ المدقق في بقية فصول الوثيقة، خصوصاًَ حين يصل إلى قانون الانتخابات، يلحظ أن جُلّ هذه المبادئ و"المرجعيات" و"الخطوط العامة" ظلت بلا ترجمة إلى "نصوص تشريعية"، أي أنها ظلت في الإطار الأخلاقي والقيمي، من دون أن ترقى إلى مستوى الترجمة العملية، ومن يقرأ النص المقترح لقانون الانتخاب، يرى أن جميع "المخاوف" و"الهواجس" و"الظنون" التي سيطرت على "حياتنا السياسية" وأمسكت بتلابيب صناع القرار و"المشرّع الأردني" سواء بسواء، حكمت عمل اللجنة، لجنة الحوار، وتحكمّت بقراراتها ومخرجاتها.
ودعونا نتحدث هنا بقليل من الصراحة، التي يقال أنها ميزت عمل اللجنة وطبعت نقاشات أعضائها في مختلف اجتماعاتهم، وليس لدينا سبب واحد يدعونا للشك في ذلك، والصراحة هنا تقتضي القول أن الهاجسين اللذين حكما العمل السياسي الأردني طوال العشريتين الماضيتين، وهما: المكون الإسلامي والمكون الفلسطيني (الأردنيون من أصول فلسطينية)، قد حكما صياغة قانون الانتخاب، أبو القوانين الناظمة للعمل السياسي ومفتاح عملية الاصلاح والتحول الديمقراطي. وهذا ما يفسر الصيغة الغريبة العجيبة التي انتهت إليها للنظام الانتخابي المقترح.
هل من المنطقي أن يجري الحديث عن "نظام مختلط" ولا يخصص سوى 15 مقعداً فقط للقائمة الوطنية، هل من المنطقي ونحن نتحدث عن الحاجة لتطوير الأحزاب والعمل السياسي الوطني، أن نعتمد أسلوب القائمة المفتوحة هنا، ثم ولماذا هذا "القسر" باشتراط أن تكون كل محافظة ممثلة في القائمة الوطنية،كيف يمكن تفسير كل هذه القيود، بمعزل عن هذين "الهاجسين"، وما السبب وراء تقسيم المحافظات الكبرى إلى عدد من الدوائر قد يصل إلى أربع دوائر (عمان مثلا)، هل هي الخشية من هيمنة "ديموغرافيا معينة" على بعض الألوية والقصبات؟.
وبمَ تختلف القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة عن "الصوت الواحد للناخب الواحد"، ألن نصل في نهاية الأمر، إلى ذات النتائج التي انتهينا إليها في الانتخابات الماضية، خصوصاً إن حصرنا "صوت المحافظة" بمرشح واحد، بدل عدد من المرشحين مماثل لعدد المقاعد المخصصة لها، ثم ماذا يعني النص على توزيع المقاعد الـ"115" على المحافظات بنفس العدد و"النسب" المعمول بها؟، وأية "حساسية" يُراد مراعاتها من خلال إدراج نص كهذا،وهل يعتقد الإخوة والزملاء والأصدقاء الأعزاء، أن عشرة مقاعد إضافية، ثلاثة منها للنساء في الدوائر البدوية المغلقة، كفيل بحل مشكلة "العدالة" أو "التوازن" في تمثيل المواطنين (لاحظوا أنني لم أتحدث عن المساواة)، لا اعتراض لنا على ضمان تمثيل نساء البادية الأردنية، وقد كنّا أول من تنبه إلى إسقاط تمثيلهم في القانون السابق، ولكن هل مشكلة التمثيل المتوازن تحلّ بهذه الطريقة؟!.
ثمة فجوة، حتى لا أقول "هوّة سحيقة" بين مقدمات الوثيقة النظرية والتأصيلية (التوجيهية) من جهة ونصوص المشروع المقترح لقانون الانتخاب من جهة ثانية، وهي فجوة غير قابلة للتفسير إلا باستحضار "الهواجس" و"التحسبات" التي أشرنا إليها، مع أنها فجوة قابلة للتجسير، ومن دون إخلال بهوية البلاد ومؤسساتها الدستورية ولا بتوازنات القوى السياسية القائمة، فالإسلاميون في مختلف الظروف والأحوال، لن يحظوا في أية انتخابات حرة ونزيهة على أكثر مما حصلوا عليه في برلمان 89، ومع ذلك لم تقع "الكارثة" التي يخشاها كثيرون، والأردنيون من أصول فلسطينية لهم مصلحة وطنية لا تقل وضوحا عن مصلحة أشقائهم الأردنيين من أصول أردنية، في تجنب احتلال مواقع الأغلبية في أية مؤسسات دستورية، وهم لن يتمكنوا من ذلك وإن أرادوا، فالحفاظ على هوية الدولة الأردنية ومؤسساتها السيادية في هذه المرحلة، مهمة وطنية عاجلة مُوَّحِدة للأردنيين جميعاً، لجبه رياح العدوان وصدّ مؤامرات التوطين والوطن البديل.
وللبحث صلة.