قراءة أولية في نتائج انتخابات نقابة المعلمين!
أظهرت المؤشرات الأوّلية في انتخابات نقابة المعلمين، انتصاراً ساحقاً وكبيراً لجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، بنسبة كبيرة قد تتراوح ما بين 70-75 % (وفق توقعات خبراء في هذا المجال). وهو مؤشّر مهم في قياس شعبية الجماعة ونفوذها في المجتمع المدني والشارع، في خضم الاهتزازات الإقليمية الأخيرة؛ في مصر، وتداعيات القرار الخليجي (السعودي-الإماراتي) بحظر جماعة الإخوان واعتبارها إرهابية، وبعد أعوام من مقاطعة "الإخوان" الانتخابات النيابية والبلدية في الأردن.
مقياس نقابة المعلّمين لا يقلّ أهمية عن الانتخابات النيابية والبلدية، أو حتى النقابات المهنية الأخرى. فهناك ما يقارب 90 ألف معلّم في وزارة التربية والتعليم وحدها، يشكّلون، مقارنة بسكان الأردن، شريحة اجتماعية مهمة وحيوية. وتؤكّد النتائج للمرّة الثانية أنّ الجماعة بدلاً من أن تخسر حضورها، فإنها على النقيض من ذلك تقتحم مساحات ومناطق جديدة في المملكة، كما تشي انتخابات "المعلمين" الأخيرة.
في المقابل، فإنّ أحد المؤشّرات المهمة الأخرى يتمثّل في محدودية تدخل الدولة في الانتخابات، بالرغم من حالة الجفاء، والعداء في أحيان، بينها وبين الجماعة. إذ جاءت النتائج لتعكس أنّ التدخل الرسمي بقي ضمن المربعات التقليدية (في مواجهة الجماعة)، ولم يتجاوز ذلك إلى محاولة تدميرها وإضعافها قسراً؛ ما يبتعد بالمشهد الأردني عن أي رهانات أو هواجس بالمضي وراء "معسكر الاعتدال" في إقصاء الجماعة، بالطرق كافّة.
بالطبع، هذا الموقف الرسمي لا ينسحب بالضرورة على المجالات الأخرى. إذ هناك جدل واسع وعريض حول مستوى التدخل في انتخابات اتحاد طلبة الجامعة الأردنية، التي تجري اليوم، وسط اتهامات إخوانية عريضة للأجهزة الرسمية بمحاولة التأثير على الانتخابات. وهو ما نتمنّى، أيضاً، ألا يتجاوز "المربعات التقليدية" المعروفة من تشكيل تحالفات وتجمعات في مواجهة "الإخوان"، لتحجيم نسبتهم في الاتحاد.
على "الإخوان" أن يدركوا، اليوم، أنّهم تجاوزوا الامتحان القصير والسهل، ودخلوا في الامتحان الأصعب؛ وهو الدرس الأكثر أهمية، مما حدث معهم في مصر خلال الفترة الماضية. وإذا كانت تجربتهم الأولى في مجلس نقابة المعلمين ليست مقياساً عادلاً بالكلية، لأنّها مرحلة التأسيس، فإنّ تجربتهم المقبلة مهمة جداً، وتعطي مؤشرات أساسية حول مدى استلهام الحكمة مما حدث مع أشقائهم.
الدرس الأساس يبدأ من التوافق والتفاهم مع المجموعات الأخرى على توزيع مواقع مجلس النقابة، بما في ذلك اختيار نقيب للمعلّمين يمتاز بالكفاءة والحضور والشخصية، والقدرة على الاشتباك مع الحكومة لتحقيق إنجازات جديدة لهذه الشريحة الواسعة، التي تعرّضت للظلم والإهمال خلال العقود الماضية، ونالت قبل أعوام قليلة حقّها في إنشاء نقابتها، بعدما كان ذلك بمثابة "خطّ أحمر" رسمي عريض.
إذا سار "الإخوان على نهج الانفراد والاتكاء على ما حقّقوه من أغلبية، فسيعززون الصورة الصاعدة عنهم بممارسة الإقصاء للآخرين، ومنح الأولوية لاعتبارات تنظيمية وحزبية على حساب الاهتمامات الأخرى، التي شكّلت العامل الأساس وراء حراك المعلّمين ودعم المجتمع المدني والإعلام لهم.
كلمة السرّ التي تساعد الإخوان على تقديم نموذج إيجابي، هي "التوافق"، ومدّ اليد وبناء الجسور مع الجميع، وتغليب الاعتبارات المجتمعية والسياسية والمهنية والتنموية على "عقلية التنظيم"، التي تمثّل اليوم التهديد الأكبر لقدرة الجماعة على التطور والنجاح وتجاوز المرحلة الصعبة الراهنة!
المجتمع والرأي العام والجميع بدورهم، يراقبون أداء الإخوان والنتائج على أرض الواقع، وإدارتهم للمرحلة المقبلة. فأهميّة نقابة المعلّمين اليوم تأتي، بالدرجة الأولى، من حالة القلق الكبير التي تنتابنا مما وصل إليه قطاع التعليم الحيوي والمهم من تراجع وتدهور كبيرين خلال الأعوام الماضية، فـ"الإخوان" المعلمون والطلبة أمام تحدٍّ أكبر بكثير من اختبار الانتخابات!
الغد