قراءة أولية في انتخابات 2010
يتيح لنا أي استقراء سريع لسير العملية الانتخابية ونتائجها ، تشكيل جملة من الانطباعات والفرضيات ، تصلح كنقطة انطلاق لجدل وطني عميق ومتواصل ، حول بعض الظاهرات التي سبقت الانتخابات ورافقتها وأعقبتها. وإذا كنا بالأمس قد تحدثنا عن العنف الانتخابي المتنقل ، فإننا اليوم ، وبعد الاطلاع على الانطباعات الأولى للمراقبين المحليين والأجانب ، نقول أن التاسع من نوفمبر ـ تشرين الثاني ، كان يوماً انتخابياً نظيفاً ، أقله حين يتصل الأمر بالتدخلات والتجاوزات الحكومية.
في النتائج ، بدت الانتخابات كمحطة عسيرة على الأحزاب السياسية المشاركة فيها ، فقد وجّهت نتائجها صفعة قاسية لمعظم هذه الأحزاب ، إن لم نقل جميعها ، إذ حتى الأحزاب التي اعتمدت مرشحين من ذوي الثقل العشائري ، أخفقت في إيصال عدد كافْ من مرشحيها للعبدلي ، وسوف يتعين على قادتها منذ الآن ، البحث في أنجع الوسائل لإيقاظ الخلايا النائمة أو المرشحين السريين الذين طالما بشرونا بهم ، تحت طائلة الإغماء لهول المفاجأة.
والحقيقة أن تجربة التيار الوطني ومرشحيه الاثنين والثلاثين الجسورين ، تنهض شاهداً عل سوء التقدير والحساب ، بعد أن خسر الحزب ثلاثة أرباع قائمته في الانتخابات ، وبات يتعين عليه العودة لأسالبيه القديمة في حشد المؤيدين بعد الجلوس تحت قبة البرلمان ، وليس قبل الوصول إليها.. ونخص هذا الحزب بالذكر ، ليس لأنه التجربة الأضعف حزبياً وانتخابياً ، بل لأنه التجربة الأقوى على هذين الصعيدين ، بعد الإخوان حزباً وجماعة ، وما يصح على هذا الحزب ، صحّ على حزب الجبهة الأردنية الموحد وائتلاف أحزاب الوسط وقائمة الوسط الإسلامي ـ حزب الرسالة ، والائتلاف الوطني الديمقراطي الممثل لأحزاب اليسار والقوميين والبعثيين.
جميع هذه الأحزاب مجتمعة ، موالية ومعارضة ، لم تأت بأكثر من أحد عشر نائباً ، رغم أن بعض الفائزين تحت مظلة الحزب وشعاره ، ما كان لهم أن يحتفلوا اليوم بفوزهم ، لو أنهم اعتمدوا على قواعد الحزب وبرنامجه ، ذلك أن أكثر من ثلاثة أربع هؤلاء الحزبيين الفائزين ، جاؤوا بأصوات عشائرهم وحمائلهم.
يضاف إلى هؤلاء الحزبيين المنضبطين ، مرشحان اثنان تمرّدا على حزبيهما المقاطعين للانتخابات ، وعدد آخر محسوب على هذا الحزب أو قريب من ذاك التيار ، أو مرّ فيها وحظي بعضويته ذات يوم ، والطريف أن حزباً قرر المشاركة في الانتخابات تصويتاً ، اكتشف أن له صديقين أو مؤيدين أو عضوين ، نجحا في حجز مقعدين لهما تحت القبة.
قلنا من قبل ، ونقول اليوم ، أن قانون الصوت الواحد للناخب الواحد ، بدوائره الوهمية أو غير الوهمية ، ليس قانوناً صديقاً للنساء والأحزاب ، ولن تكون للأحزاب فرصة حقيقية للوصول إلى البرلمان ، في ظل هذا القانون ، والمؤكد أن نتائج الانتخابات سوف تحدث حراكاً حزبياً ، أو هكذا المأمول ، ولو من باب أضعف ممارسات النقد والنقد الذاتي.
وفي النتائج أيضاً ، ما تكشّف عن رغبة الأردنيين بمعاقبة نوابهم ومجلسهم السابق المنحل ، لقد أخطأنا وأخطأ كاتب هذه السطور شخصياً ، إذ تنبأ بعودة أزيد من نصف أعضاء المجلس المنحل إلى قبة البرلمان ، الأردنيون قرروا تغيير الوجوه والأسماء وكان لهم ما أرادوا ، ليبقى السؤال عمّا إذا كان تغيير الوجوه والأسماء ، سينعكس على مستوى الاداء ومضمون السياسات والتشريعات التي سيتبناها المجلس المقبل ، أم لا؟.
ويمكن للقارئ الحصيف لنتائج الانتخابات في 2010 أن يميز الذين اشتروا الأصوات ونقلوها في انتخابات 2007 ، وإلا كيف نفسر حصول هؤلاء على أقل من ربع ، وأحياناً أقل من خُمس الأصوات التي حصلوا عليها من قبل ، بعد أن عادت الطيور المهاجرة إلى موطنها الأصلي ، وتكشفت الانتخابات عن لعبة حجوم بامتياز.
ولنا وقفة أخرى مع ظاهرات أخرى تكشفت عنها الانتخابات ، فإلى الغد.
span style=color: #ff0000;الدستور/span