في ظلال الحملات الانتخابية
المتجول في شوارع عمان التي ازدادت بصور المرشحين والمرشحات ويافطاتهم ، يظن أن عقارب الساعة عادت ثلاث سنوات للوراء ، الصور ذاتها واليافطات هي هي...وأحسب أن كثيرا من المرشحين استلوا من مستودعات بيوتهم فائض ملصقاتهم ويافطاتهم القديمة ، أو طلبوا إلى "وكلاء الدعاية" أنفسهم ، العودة إلى أراشيفهم لاستلال الصور "النيجاتيف" ذاته والشعارات ذاتها...وفي هذا السياق أدعو الزملاء المصورين والصحفيين للعودة إلى أراشيف انتخابات 2007 للبحث فيها عن صور يمكن نشرها إلى جانب صور مماثلة أو مطابقة من انتخابات 2010 ، أقله من باب "الفكاهة والتندر" ، وأنا على يقين بأنهم سيجدون الكثير منها. لقد أخبرني صديق من إحدى المحافظات الشمالية ، بأن مرشحاً لم يحالفه الحظ في الانتخابات السابقة ، قرر خوض المنافسة في الانتخابات الحالية ، وعندما سئل عن سبب تفاؤله هذه المرة ، قال بأن لديه مخزونا فائضا من الصور واليفاطات التي لم تستخدم في المرة السابقة ، ومن "الخسارة والخسران" أن تظل في المستودع ؟،.
كسل ما بعده كسل ، لكأن التاريخ توقف عند آخر انتخابات العام 2007 ، في احسن الأحوال يضيف المرشح كلمة أو اثنتين إلى بداية "الشعار" أو نهاية اليافطة ، ماذا عن البرامج الانتخابية البديلة ، ماذا عن الالتزامات والتعهدات ، ماذا عن البرلمان السادس عشر ، هل سنرتضي له أن يواجه مصيراً مماثلا للبرلمان المنحل ؟...المكتوب يقرأ من عنوانه ، ذات الوجوه وذات الشعارات ، حتى أن اختيارات كثيرين منهم لمقراتهم الانتخابية لم تتغير ، ولم تتغير معها كل "العدة والكرستا" الانتخابية التي استهلكت قبل ثلاث سنوات.
من يتجول في شوارع عمّان على الأقل ، يرى قلة قليلة من الوجوه الجديدة ، التي تخوض الانتخابات لأول مرة ، واضح من صورهم ولافتاتهم أنهم "مستجدون" ، لا خبرات لديهم كتلك التي اختزنها "النواب السابقون" ، هؤلاء يتأكد لك أن فرص جلوسهم تحت قبة البرلمان ضعيفة للغاية.
الكتل الحزبية لم تفرض حضوراً مختلفاً على الحملات الانتخابية ، رغم أنها تضم في صفوفها أكثر من مئة مرشح ، لا فروق جوهرية بين حملات هؤلاء وحملات بقية المرشحين الفرادى ، صور فردية بلا شعارات ومواقف ، كأي صور أخرى ، لا فروق جوهرية تذكر ، لا "جرعة سياسة" إضافية.
المرأة غائبة عن الترشيح والحملات ، حضورها ضعيف بشكل واضح ، اليوم سنعرف في نهاية الدوام كم امراءة ترشحت ، ولكن بفرض أن عددهن كبير ، إلا أن حضورهن الإعلامي ما زال متواضعا ، ودائما أتحدث عن عمان ، فلم أقم خلال اليومين الفائتين بأية زيارات للمحافظات ، لكن المشهد كما يقول "الأصدقاء والمعارف" لا يختلف كثيراً.
قبل بضعة أسابيع ، كانت دراسة استطلاعية عن اتجاهات نواب المجلس الخامس عشر المنحل أصدرها مركز القدس للدراسات السياسية قد أظهرت أن ما لا يقل 72 نائبا من أصل 110 نواب ، سيخوضون غمار الانتخابات للمجلس السادس عشر ، معتمدين على ثقل وازن لقواعدهم الانتخابية والعشائرية ، وسط تقديرات بأن أزيد من نصف المجلس السابق سيعاد انتخابه ، وهناك تقديرات تصل بهذه النسبة إلى ستين بالمئة ، ولقد تأكدت مثل هذه التقديرات بعد الاستطلاع الذي اجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وأظهر أن أكثر من نصف الأردنيين 51( بالمئة) سيعاودون انتخابات نفس النواب الذي اختاروهم في العام 2007 ، ما يعني أننا سنكون أمام مجلس جديد ـ قديم ، وهذا ما تشي به على أية حال ، الحملات الانتخابية والصور المبثوثة في كل مكان ، فضلا عن غابة اليافطات والشعارات التي تقول كل شيء ولا تقول شيئاً.
وظيفة الحملات الانتخابية في العادة ، تنفسم إلى شطرين: حث الناس على الخروج من منازلهم إلى مراكز الاقتراع في اليوم المشهود من جهة ، ودعوة الناخبين للإدلاء بأصواتهم لهذا المرشح أو تلك القائمة من جهة ثانية. لكن من يتتبع أسئلة "متصفحي" الصور واليافظات يدرك أن الحملات الانتخابية قد لا تكون فعّالة في تحقيق أي من هاتين الوظيفتين ، فأسئلة المواطنين تدور حول مَن مًن أصحاب هذه الصور انتخب للبرلمان السابق أو خاض الانتخابات السابقة ومَن منهم "مستجد" ، يفعلها للمرة الأولى ، لا أحد تستوقفه يافطة أو شعار ، أللهم إلا تلك التي ترسم ابتسامة هنا أو تثير تساؤلاً هناك.
أياً يكن من أمر ، لقد استنفذ القانون والانتخابات الخامسة التي تجري بموجبه الكثير من أغراضه ، لم يعد فيه ما يضفي الحيوية للانتخابات والعملية السياسية المصاحبة لها ، وإذا كان من غير المناسب إثارة موضوع القانون الآن ، فلا بأس من التذكير بحاجتنا لإعادة النظر في قواعد العملية الانتخابية برمتها ، لنعيد الاعتبار لهذا الاستحقاق الدستوري ، والمأمول أن تبدأ عملية المراجعة والتقييم فور انتخاب المجلس القادم.
الدستور