في رحاب سلطة العدل

في رحاب سلطة العدل
الرابط المختصر

لم أعرف مِن قَبْلُ أن استدعائي وزملائي، رئيس التحرير وفريق المحافظات، للتحقيق معنا في قصر العدل بتهمة الذم والتحقير والتشهير، مردُّها شخصية سياسية أردنية تُصِرُّ على خلق حالة جديدة، تبعدنا عن مسؤوليتنا، كإعلام يحرص على المهنية، ويتمسك بالرسالة التي أساسها المواطن وأداتها الحقيقة، لم أتخيّل في يوم من الأيام ونحن نعيش، أو نعتقد أننا نعيش في دولة القانون والديمقراطية. إن الاستدعاء جاء للتحقيق في قضايا تتعلق بحرية التعبير، ودور الإعلام في نقل آراء وأفكار الناس بكل أمانة , جاء من جراء التواصل المباشر مع الناس، ومشاركتهم في الحديث عن آرائهم وتطلعاتهم وهمومهم ومشاكلهم ورغبتهم في نقلها بأمانة إلى صاحب القرار , لم أعلم أن الدعوى التي رُفِعت على صحيفة العرب اليوم من قِبَلِ أحد الشخصيات أساسها قدرتنا على الوصول للمواطنين والاستماع لكل ما يكبتون ويحشرون في عقولهم وصدورهم، ليأتي دورنا كإعلام لإزالة هذا الهم، بنشره بكل وضوح وشفافية، ومن دون زيادة أو نقصان، وعلى لسان حامله، من دون ان نختبئ وراء أحد، أو نتحجج بكلام عام , متمسكين بنهجنا في محاربة كل أشكال الاعتداء على حقوق الناس، باعتبارها غاية مبدئية، ومهنية ودينية ووطنية، فرضها علينا حليب أمهاتنا الذي رضعناه، بطعم العشب، والورد، وزهر الأرض .

منذ الجلسة الأولى التي كانت بالنسبة لي المرة الأولى التي أدخل فيها المحاكم، انتابني شعور بالعدل، وتملكني إحساس بالحق الذي لا يضيع في بيت العدل والحق، أحسست أن القاضي يفهم ما أريد، وزميلي رئيس التحرير أن نقوله قبل أن ننطق به ، على اعتبار أن الحق والقانون والوطنية لغة مشتركة نُحسّها ونشعر بها قبل أن تترجم إلى كلمات . أحسست أن القضاة مدركون لمثل هذه القضايا التي لا تخرج عن كونها محاولات تخويف، أو رد اعتبار. ولا يجوز أصلا إشغال المحاكم بها، خاصة أنها ليست شخصية، أو لغايات أو أهداف تذكر. إلا أن احترام القضاة للقانون يجبرهم على المضي بحيثيات كل قضية مهما صغرت عناوينها أو كبرت، وكم أشفقت على القضاة الذين هم مضطرون لقضاء وقت طويل يدققون بكل كلمة أو جملة، ويمحصون بكل حرف أو فقرة، بل إشفاقي عليهم نتيجة استماعهم الطويل لقضايا هي بالأساس ليست قضايا، إنما هي وجدت من يفبركها ويلونها ويصبغها بعناوين ومضامين منحتها صفة القضية.

ما يثير الاستغراب، تناقض هذه الشخصيات السياسية العامة، وتحولها لشخصيات خلافية مناكفة تلاحق مواطنًا قال، وإعلاميا تحدث، وصحيفة نشرت، لتجد نفسها في لحظة من اللحظات وقد واجهت المجتمع بأسره. فالشخصيات العامة لا تتعامل مع الأمور بمثل تعامل التجار أو الكومسيونجية، بل بمزيد من الحنكة والمنطق والوثائق. خاصة أن من أساسيات الإعلام تقبل وجهات النظر المختلفة، وانفتاحه على كل الآراء.

ونقول بصراحة إن وثائق كثيرة وخطيرة ضد العديد من الشخصيات السياسية , هي متوفرة ومتاحة ومن السهولة نشرها أو الحديث عنها، لكن المصلحة الوطنية العليا تقتضي أن تمضي الأمور وفق مسارات صحيحة حتى تتحقق النتائج الواضحة وفائدة الوطن العظمى.

إيماننا بنزاهة القضاء ووعي وإدراك القضاة بأحقية المواطن في التعبير عن الذات، ودور الإعلام في رقابة السلطات، وترسيخ دور المواطن في صنع القرار، والكشف عن أية محاولات تمس مسيرة الاصلاح الوطني.

وللمهنية التي تقتضي نقل الحقيقة والافصاح عّما يقوله الناس باسمائهم، ولرسالة الإعلام التي تحمي الشعوب وتشكل رأيهم العام، فإننا في العرب اليوم نعتز بدورنا وبجرأة خَبَرِنا وثقة مواطننا بالمعلومة التي نقدم، وقناعة القارئ بتميز المضمون والسقف العالي، وسنكون للقانون أنصارا وللقضاء مفتاحا يغوص في هموم الناس وحقوقهم ونحن نطرح قضايا الوطن. والله من وراء القصد.

العرب اليوم

أضف تعليقك