فنزويلا بين المهندس الصناعي وسائق الحافلة

فنزويلا بين المهندس الصناعي وسائق الحافلة

منذ مبدأ الرئيس الامريكي مونرو عام 1823 والولايات المتحدة تعتبر منطقة أمريكا اللاتينية منطقة نفوذ حصري لها،ورغم التباين الثقافي بين قارتي أمريكا(الاسبانية والكاثوليكية في معظم أمريكا اللاتينية، مقابل الانجليزية والبروتستنتينية  في الولايات المتحدة) فإن السلوك السياسي الأمريكي تجاه تلك المنطقة اتسم في منحاه العام بالتدخل العسكري، فمنذ 1890(ارسال قواتها العسكرية للأرجنتين) الى عام 2009 (دعمها الانقلاب العسكري في هندوراس) تدخلت الولايات المتحدة عسكريا 56 مرة في امريكا اللاتينية، وفرضت الحصار الاقتصادي على بعض دولها 28 مرة، غير أن الملفت للنظر ان التدخل العسكري الامريكي في فنزويلا هو الاقل قياسا لدول أمريكا الوسطى ، فقد كانت محاولة التدخل في فنزويلا عام 2002 بعد محاولة انقلابية فاشلة ضد هوغو شافيز.

أين تكمن المشكلة؟

يتشبث الرئيس الفنزويلي مادورو وتياره السياسي  بقضية عدالة توزيع الدخل، وقد حقق في هذا الجانب نتائج جعلت من فنزويلا افضل دول القارة الأمريكية اللاتينية في فروق الدخل(  Gini Index)، فطبقا لتقرير نشرته مؤخرا اللجنة الاقتصادية لامريكا اللاتينية والكاريبي التابعة للامم المتحدة ومقرها في التشيلي،حققت فنزويلا والأورغواي أفضل النتائج في عدالة توزيع الدخل حيث حققت مستوى 40 قياسا لمعدل 46.9 لبقية دول القارة( مقياس جيني يقوم على اساس صفر تساوي عدالة تامة بينما 100 تعادل عدم عدالة تامة)، والملاحظ ان الدول التي فيها اعلى معدلات عدم العدالة هي كولومبيا وغواتيمالا والبرازيل وبنما والمكسيك فقد تجاوزت هذه الدول معدل ال 50.

والملاحظ ان الدول  الأمريكية اللاتينية التي اعترفت برئاسة غوايدو هي الأعلى في عدم العدالة(باستثناء المكسيك وأورغواي اللتان  تناديا بالحوار بين غوايدو ومادورو).

لكن عدالة التوزيع في فنزويلا شكلت نموذجا مقلقا للطبقات الراسمالية الحاكمة في الولايات المتحدة وفي بقية امريكا اللاتينية، ومن هنا بدأ الخنق الاقتصادي من قبل الولايات المتحدة لهذه الدولة مترافقا مع هبوط حاد في اسعار النفط الذي يمثل حوالي 90% من الموارد المالية لفنزويلا، وتقول التقارير الاقتصادية الاكاديمية ان الحكومة ذات النزعة الاستراكية المسيطرة على السلطة منذ 1999، تمكنت من تقليص الفجوة بين الطبقات لكنها انطوت على تذمر الطبقات صاحبة رأس المال والمالكة لأدوات الانتاج الخاص .

وعند النظر في خريطة التوجهات الدولية من الأزمة بين غوايدو( المهندس الصناعي الذي ينتمي لمقاطعة تعد الافقر في فنزويلا) وبين مادورو( سائق الحافلة المتشبع بالعمل النقابي والتوجهات البوليفارية  والخبرة السياسية) يبين ما يلي:

1-الاتجاه العام في أوروبا هو نحو الدعوة لانتخابات رئاسية جديدة(باستثناء بريطانيا التي وقفت مع الولايات المتحدة في الاعتراف بغوايدو)

2- الدول الآسيوية بما فيها الصين وروسيا والهند وبقية آسيا تقف الى جانب مادورو  ، كما اعلن الاتحاد الافريقي عن دعم مادورو تحت الحاح من حكومة جنوب افريقيا.

3- تقف الأمريكيتان الشمالية والجنوبية واستراليا مع غوايدو باستثناء كوبا ونيكارغوا وبوليفيا

الاحتمالات المستقبلية: نظرة أولية

أولا: مؤشرات ليست لصالح مادورو:

أ‌- الموقع الجغرافي لفنزويلا الذي جعلها بين دولتين هما  الاشد عداءا لها وهما البرازيل وكولومبيا

ب‌- وقوع فنزويلا على البحر الكاريبي والأطلسي بامتداد 2800 كيلومتر،مما يجعل امكانية التدخل البحري أو التسلل الخارجي امرا أكثر يسرا.

ت‌- الشكوك التي احاطت بنزاهة الانتخابات التي فاز فيها مادورو في مايو 2018

ث‌- الوضع الاقتصادي لفنزويلا: والذي تدل عليه المؤشرات التالية:

1- هجرة حوالي 3 مليون فنزويلي(7% من السكان) نتيجة الظروف الاقتصادية  منذ 2014، وثلثي المهاجرين يفرون الى دول امريكا اللاتينية لاسيما الاكثر عداء لمادورو(كولومبيا والبرازيل بشكل خاص)

2- اتساع قاعدة السوق السوداء بعد اجراءات الحكومة الفنزويلية النقدية عام 2003

3- مؤشرات الاقتصاد الكلي: تضخم تجاوز المليون في المئة، التصاعد الكبير في معدلات الاسعار بمعدل يتجاوز الضعف  كل ثلاثة اسابيع تقريبا

4- انحسار قوة الجذب للقوى اليسارية في عدد من دول امريكا اللاتينية بخاصة في البرازيل.

ثانيا: مؤشرات لصالح مادورو:

أ‌- وقوف القوات المسلحة لجانبه بخاصة انه قام بتعيين المخلصين له في اعلى المناصب القيادية كما رفع من رواتب العسكريين.

ب‌- المساندة الروسية والصينية لا سيما في مجلس الامن وفي النشاط الدبلوماسي

ت‌- وجود قاعدة شعبية "نسبية" تسانده لا سيما بين الفقراء

ذلك يعني:

أ‌- ان مصير مادورو مرهون بيد القوات المسلحة ، فإذا استمرت بمساندته فقد تجد فنزويلا نفسها امام نمط من حكم عسكري مموه، او انشقاق الجيش والدخول في دوامة صراع اهلي يفتح المجال لتدخلات دولية قد يكون أغلبها في غير صالح مادورو.

ب‌- رغم نزوع ترامب لعدم الدخول في مغامرات عسكرية، الا أن الخنق الاقتصادي سيجعل كرسي مادورو يتآكل تدريجيا

ت‌- إذا تدخلت الولايات المتحدة عسكريا أو  دعمت قرارا لمنظمة الدول الامريكية بالتدخل العسكري سيجعل  الأمور لا تسيير لصالح مادورو

ث‌- دخول طرفي النزاع في تفاوض لتجنيب البلاد كارثة المواجهة والوصول لحل ما.

ج‌- ان يتخذ مادورو قرارات اقتصادية يتراجع فيها عن بعض سياساته الاقتصادية على غرار النموذج الصيني والتحديثات الاربعة، لكن الوقت له قصير وضاغط عليه بقوة.

أضف تعليقك