فصل السياسة عن الدين والدولة المدنية
ليست الملصقات الملونة لمرشحين مبتسمين جديدة بالنسبة لمستلزمات الانتخابات، إلا أن هناك إعلاناً لملصق باللون البرتقالي لقائمة "معا" لفت أنظار الناس بسبب الشعارات الواردة فيه. إحدى الشعارات تقول: "لا، لاستغلال الدين". وشعار آخر أكد دعم "الدولة المدنية"، وشعار ثالث أظهر سهمين كل منهما باتجاه معاكس يحملان الكلمات التالية "السياسة" و"الدين". في حين ينمو التطرف الديني في المنطقة، فإن حركة قوية ممن يؤمنون بفصل السياسة عن الدين قد بدأت في النمو. جذبت مجموعة ذات شعبية على الفيسبوك وتدعى "نحو دولة مدنية في الأردن" أكثر من 2000 عضوٍ وتطرقت إلى مناقشات وحوارات جادة. يتم تكرار هذه المحاولة في العلمنة في العديد من الدول العربية، بما فيها المملكة العربية السعودية ودول الخليج، على الرغم من رد فعل الجماعات والأفراد الدينية السلبية الذين يشعرون أن الحديث عن فصل الدين عن السياسة ما هو إلا كفر وأيديولوجية مستوردة . المهم في هذه القضية هو أن المناقشات الانتخابية عملت على إضفاء الشرعية على الموضوع. عندما تعلن مجموعة معتبرة من الأردنيين موقفها علناً بشأن هذه المسألة، فهذا يعني أن هذا المفهوم لم يعد مفهوماً أجنبياً، بغض النظر عما يقوله الخصوم. وبطبيعة الحال، فإن المسافة بين الإعلان على الملأ بضرورة فصل السياسة عن الدين وتحقيق هذا الهدف ما زالت طويلة. الدراسة التي أعلن عنها محمد الحسيني من ائتلاف النزاهة خلصت إلى أن 55% من المرشحين للبرلمان الثامن عشر في الأردن هم وسطيون و35% هم إسلامييون و 10% هم يساريون وقوميون. مسألة الفصل بين السياسة والدين تواجه أيضاً صراعاً دستورياً. في حين تنص المادة (6) من الدستور على أن جميع الأردنيين متساوون، بغض النظر عن دينهم، فإن المادة (2) تنص على أن الإسلام هو دين الدولة. ليس هناك وضوح حول ما هو المعنى العملي لدين الدولة، ولكن من خلال المناقشات والجدل على الانترنت بشأن الدولة المدنية، يشير المعارضون كثيراً إلى المادة (2) التي تذكر دين الدولة الأردنية. وغالباً ما يشار إلى دين الدولة في نهاية النقاش عندما تنفذ أفكار الفريق الآخر. خلال الأشهر القادمة، ستكون المناظرات والمناقشات، خاصة مع الناس على القائمة البرتقالية اللون، مهمة وتاريخية. إذا كانت هذه القائمة قادرة على حشد أصوات كافية للوصول الى البرلمان، فإن التحدي المقبل يكمن في كيفية إنشاء تحالف مع نواب يشاطرونها الرأي. كما أن المجتمع المدني والمثقفين في الأردن يواجهون نفس التحدي للخروج بأفكار وكتابات تدعم هذا الموقف التقدمي. هذه الأفكار يجب أن تصبح قضايا طبيعية تُناقش في المنازل والمدارس والجامعات. في حين أن الدعوة إلى إنشاء دولة مدنية هو أمر مهم، إلا أن مفتاح نجاح هذه المسألة هو الاستدامة والاستمرارية. لن يتم حل المشكلة في الحملة الانتخابية التي تستمر لمدة شهر من الزمن ولكن من خلال أشهر وسنوات من المناقشات المفتوحة عبر الإذاعة وفي الجامعات وبين الأفراد الجديين الذين يمكن أن يروا كيف يثير هذا أو ذاك من مجموعة معارضة بعض الحجج السطحية القديمة التي مضى الدهر عليها. وفي الوقت الحاضر، لقد تم إضفاء الشرعية على مفاهيم مثل فصل الدين عن الدولة وذلك بفضل التفكير المتقدم والتنويري لمجموعة شجاعة من الأردنيين. العبء الآن يقع على أولئك الذين يدعمون هذا التفكير وهذا الاتجاه بأن يفعلوا أكثر من مجرد تقديم خدمة كلامية. لا يكفي أن نتحدث بدراية، فقد حان الوقت بأن نطبق ما نقوله، بغض النظر عن العقبات والتضحيات التي سنلاقيها على مسار هذا الجهد الهام.