فرص وتحديات انضمام الأردن لنادي ملوك السنة العرب!

فرص وتحديات انضمام الأردن لنادي ملوك السنة العرب!
الرابط المختصر

بين ليلة وضحاها فاجأ مجلس التعاون الخليجي العرب بدعوة الأردن والمغرب إلى نادي الملوك السنة بهدف رص حاجز سياسي-أمني في مواجهة خطر تمدد النفوذ الإيراني عبر المنطقة, خصوصا في العراق وخاصرة الجزيرة الشرقية. جاءت هذه الدعوة بعد ثبوت مقدرة طهران الفعلية على تحريك المكوّن الشيعي في البحرين, السعودية ثم الكويت, وقبل ذلك لعب دور تعطيلي في ملف العراق, لبنان وعملية السلام من خلال هيمنتها على أحزاب وقوى محلية.

هذا المجلس المترف قرّر نسف صيغته الحالية التي دامت 30 عاما بعد سنوات من المماطلة, التسويف والتردد أمام طلبات انتساب "شفوية" عرضها الملك الراحل الحسين بن طلال في منتصف تسعينيات القرن الماضي, قبل أن يحييها الملك عبد الله الثاني على وقع رياح التغيير التي تعصف بالعالم العربي منذ مطلع عام الثورات العربية.

تلقّف الأردن العرض الخليجي السخي بأيد مفتوحة, بعكس المغرب, التي اعتذرت عن قبول عرض لم تطلبه أصلا, ذلك أنها معنية بتقوية نفوذ الاتحاد المغاربي لحماية مصالحها, كما أنها تدرك أن الانضمام إلى جناح الأمة العربية الشرقي يتعارض مع منطق الجغرافية والحقائق الاستراتيجية.

العرض الخليجي هطل على عمان في زمن صعب مليء بالتحديات الحياتية, الاقتصادية والسياسية والأمنية. فانسداد أفق إقامة دولة فلسطينية مستقلة غربي النهر يؤثر على أمنه واستقراره, بالتزامن مع أزمة اقتصادية طاحنة ساهمت في تحريك الشارع المحبط أصلا صوب المطالبة بفتح ملف الإصلاحات السياسية ومحاسبة الفاسدين. بين هذا وذاك يخشى الأردن من تداعيات الانتفاضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد رحيل حليفه الرئيس المصري حسني مبارك تحت أنظار أمريكا.

اليوم, ينتظر الأردن تحديد موعد لقاء بين وزراء خارجية المجلس المؤلف من- المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, البحرين, قطر, الكويت وسلطنة عمان- مع شريكهم الأردني ناصر جودة. سيناقش الوزراء آلية عمل مبرمجة ضمن أهداف آنية, متوسطة وطويلة الأمد لترجمة حلم الأردن بالفوز بعضوية ناد مخملي, غالبية أنظمته أوتوقراطية باستثناء الكويت والبحرين, حيث يوجد برلمانات منتخبة مشاكسة وإعلام يتمتع بهامش حرية أوسع مع دور سياسي واجتماعي أكبر للمرأة.

الحكومة الأردنية تفاجأت بتوقيت القرار وسرعة إعلانه, حالها حال النخب السياسية والاقتصادية ورجل الشارع الذي سرعان ما بدأ يحلم بهطول الأموال الخليجية على أمل تحسين وضعه المعيشي, والسماح لجيش العاطلين عن العمل بدخول أسواق الدول النفطية بعد تحرير القيود المفروضة على التنقل والإقامة.

على أنها كانت تتوقع تطورا ما على الجبهة الخليجية بعد أن قال نائب رئيس الوزراء الإماراتي الشيخ منصور بن زايد لرئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت قبل ثلاثة أسابيع إن المجلس يدرس انضمام الأردن إليه على نحو تدريجي. كان هذا أول مدلول مباشر لمسؤول خليجي حول طلب الأردن القديم/ المتجدّد.

الإعلان الخليجي تزامن مع لقاء بين عبد الله الثاني ورؤساء تحرير الصحف المحلية تناول شؤون الساعة وتقييم تحديات رياح التغيير التي تهب على العالم العربي والفرص التي ستنشأ عنها. في ذلك الحوار, طلب الملك منهم صراحة عدم التعرض لقادة الخليج; معلنا أنه يخوض محادثات مكثفة مع إخوانه زعماء الخليج لمنح الأردن وضعا أفضل ضمن هذه المنظومة الاقتصادية, السياسية والأمنية.

دخول الأردن إلى المجلس, بدعم خارج عن المألوف من السعودية, البحرين والإمارات, وبحماس أقل من قطر, الكويت وعمان, يتعارض مع الطبيعة المحافظة للمجلس, ويشكل بداية تجاوز الاختلافات بين دوله المتشابهة في أنماط الحكم على نحو يتخطى العامل الجغرافي إلى الفضاء الأيديولوجي السياسي.

سبق للأردن أن دخل تكتلات جغرافية قبل عقدين. إذ كان ركنا أساسيا في ما كان يعرف "بمجلس التعاون العربي" إلى جانب العراق, مصر واليمن- قبل أن ينهار عقب الاجتياح العراقي للكويت في صيف 1990 .

اليوم, يعتمد المجلس الخليجي التقارب السياسي مقياسا لتوسيع العضوية. فالسياسات الخارجية والأمن سمتان على الاختلاف في السياسات الداخلية, الاقتصادية وتلك المتعلقة بالحريات الإعلامية والسياسية وموقع المرأة في الحياة العامة للبلاد. وحتى الخلافات المزمنة بين قطر والأردن, التي ساعد على طيها قرار الملك بمشاركة الأردن إلى جانب قطر والإمارات في إسناد جهود حلف الناتو لحماية المدنيين الليبيين من كتائب معمر القذافي.

الاعتبارات التي شجعت الدول الخليجية على فتح أحضانها للأردن متعددة, وكثيرة هي الفرص الاقتصادية والمالية التي تلوح في الأفق.

لكن على صانع القرار الأردني التفكير بالتكلفة السياسية للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي, الذي بات بديلا عن ما كانت تسمى ب¯"رباعية الاعتدال العربي" الموالية لأمريكا, والتي انهارت قبل أن تكمل أربع سنوات, بإزاحة نظام مبارك ومدير مخابراته اللواء عمر سليمان.

وقد يكون من متطلبات العضوية سير الأردن وراء أهداف الحلف السياسية: مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة تماشيا مع استراتيجية الإرادة الأمريكية. لكن القضية الفلسطينية تظل على رأس أولويات الاستراتيجية العليا للدولة الأردنية. وعلى الأردن الحفاظ على علاقات جيدة مع النظام المصري الآخذ بالتشكل بعد الثورة, والذي أضحى أكثر حساسية تجاه المشاعر الشعبية, ما قد يدفع مصر في اتجاه مغاير لسياستها السابقة. وهنالك مؤشرات قوية إلى إعادة علاقات القاهرة مع طهران, انفتاحها على غزة, انخراطها بعلاقات متوازنة مع السلطة الفلسطينية بقيادة فتح وحركة حماس, والابتعاد عن دمشق, حيث يغرق النظام هناك في حمام دم.

فالأردن بحاجة للإبقاء على شراكة مع مصر, لأنها ما تزال تمسك بزمام المصالحة الفلسطينية ومخرجاتها. وهذا يهم الأردن أكثر من دول الخليج, خاصة إذا توّجت المصالحة بحكومة وحدة وطنية والطلب من الأمم المتحدة إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد أواخر العام بعد فشل استراتيجية السلام الأمريكية. علاقات السعودية مع مصر بعد الثورة باردة وكذلك علاقاتها بدمشق, مع أن الأردن يحاول أن يبقي على شعرة معاوية مع الرئيس بشار الأسد لتعقيله في مواجهة التحديات الداخلية مع المحتجين لأن أي مس بالنظام السوري ستكون له انعكاسات سلبية على الأمن القومي والوطني الأردني.

نأمل أن يكون الأردن تعلّم من انخراطه في محور الاعتدال بقيادة مصر وغيرها من الدول التي تدعم عملية السلام وتناهض تمدد النفوذ الإيراني عبر المنطقة منذ انهيار نظام صدام حسين عام ,2003 في مواجهة ما كان يسمّى بمحور "الممانعة" الموالي لطهران بقيادة سورية وعضوية حماس وحزب الله, وإسناد من قطر التي وضعت رجليها في المعسكرين لتعزيز نفوذها كقوة صاعدة مدعومة بعوائد الغاز والنفط.

مقابل الانضمام إلى محور الاعتدال المقرب من أمريكا, طلب من الأردن مخاصمة إيران ودعم سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ضد حماس, والابتعاد عن سورية ونظام بشار الأسد. كذلك منع من الاتصال برئيس الوزراء العراقي القريب من إيران, ومن حزب الله. ودفعت عمان ثمنا غاليا نتيجة لذلك التخندق.

بقيت ورقة المصالحة الفلسطينية وإدارة عملية السلام بيد مبارك ومدير مخابراته, مع أن الأردن الأكثر تأثرا بمخرجات تلك العملية. كثيرا ما ساءت العلاقات السياسية بين الزعامة الأردنية والقطرية ما مس التعاون الاقتصادي وهدد حياة ومستقبل عشرات الآلاف من المغتربين الأردنيين في قطر, التي ضيّقت فرص الحصول على تأشيرات وأذون إقامة للأردنيين, عدا المجابهات والمناكفات السياسية بسبب ملف فضائية الجزيرة.

ولم يستفد الأردن كثيرا من الدعم المالي الخليجي باستثناء منح متقطعة قدمتها السعودية ودولة الإمارات.

الأردن في مجلس التعاون الخليجي

سيتعّزز التعاون الأمني والاستخباراتي مع دول الخليج, تحديدا السعودية, في مجال مكافحة إرهاب القاعدة والأطماع الإيرانية, فضلا عن مخاطر انهيار نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, الذي كان يعتمد على دعم مالي سعودي وأمريكي لمكافحة القاعدة ونفوذ إيران المتغلغل في الحوثيين.

عسكريا, قد تنضم وحدات من الجيش الأردني - الأكفأ في المنطقة والأكثر احترافية- إلى قوات درع الجزيرة, التي استنفرت لحماية نظام البحرين في مواجهة الانتفاضة الشعبية الأخيرة التي كان لإيران ضلع كبير فيها. سينال الأردن مساعدات عسكرية على شكل آليات ومدرعات, وسيفتح المجال واسعا أمام تعظيم الاستفادة من خبرات المتقاعدين العسكريين الأردنيين. لكن ثمة خطر في أن تتحول المملكة إلى عصا للخليجيين ضد إيران ووقود ضد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاحات.

من الناحية الاقتصادية, يتطلب هذا المنحى تعديلات شاملة في حزم التشريعات وسيطلب من الأردن تخفيض حواجزه الجمركية المرتفعة. سيفتح المجال أمام توظيف عدد كبير من 50 ألف شاب وشابة يدخلون سوق العمل كل سنة. لكن الصناعات الأردنية ستتعرض لمنافسة شرسة في أسواق الخليج, خاصة وأن المنتوجات الخليجية, تحديدا السعودية, تغرق السوق الأردنية من الآن بسبب جودة نوعيتها وتدني أسعارها. ويحتاج الأردن إلى السوق العراقية المجاورة, ومن أجل ذلك لا بد من خطب ود إيران المهيمنة على سياسيي بغداد.

على الجبهة السياسية الداخلية, ثمّة مخاوف من أن تأتي المساعدات المالية الخليجية على حساب تراجع الإصلاحات السياسية والدستورية التي التزم بها الملك. لكن هكذا خشية قد لا تكون مبررة لأن المجلس قادر على تقبل حياة سياسية وإعلامية كالتي تعيشها الكويت, مثلا, مقابل مجالس شورى ديكور في السعودية وعمان وقطر.

إذاً, ستكون لعبة التوازنات السياسية التحدي الأكبر أمام دخول الأردن لنادي مجلس التعاون الخليجي.

فهل سيقع الأردن ضمن دائرة تلقي الأوامر مقابل الإسناد المالي, أم أنه سيستعمل أدوات جديدة واستراتيجية مرنة تمكنه من المواءمة بين متطلبات أعضاء المجلس, وفي الوقت ذاته إرجاع سورية إلى الحظيرة العربية, وفتح قنوات تواصل مع مصر الجديدة التي تظل كبرى الدول العربية? وهل يستطيع إقناع دول الخليج بأن مصلحتهم تتطلب التعامل ببراغماتية مع الجار الإيراني لحماية مصالحها في إقليم مستقر بدلا من معاداة إيران, انسجاما مع الاستراتيجية الأمريكية?

بانتظار نقلة نوعية في العمل السياسي والدبلوماسي الأردني تظل القيمة المضافة لانضمام الأردن المبدئي إلى المجلس الخليجي كبيرة من النواحي الاقتصادية, المالية, السياسية, العسكرية والأمنية.

يأتي ذلك بينما تستعد السلطة الفلسطينية لانتزاع اعتراف أممي بدولة فلسطين وسط مخاوف من تسويات فلسطينية قد تكون على حساب مصالح الأردن فيما يتعلق بملفات الوضع النهائي: اللاجئون, الأراضي والحدود ومستقبل القدس الشرقية. يحتاج الأردن لإبقاء عينه على الخطر القادم من الغرب وفي الوقت ذاته, ثمّة خشية من اضطراره للانسياق وراء دول الخليج في وجه إيران.

فهل سيجد معادلة توازن في توزيع الجهد والأولويات?

مفاجأة دول الخليج بالترحيب بالأردن عضوا هل تنبع من التهديد الإيراني المباشر لأمن الخليج, والأردن جزء منه? خاصة بعد اتهامات رسمية بأن طهران تحرك الشيعة المهمّشين في البحرين, السعودية والكويت مستغلة ربيع الثورات العربية المنادية بالإصلاحات والتغيير. وهل سيكون تحالفا على مستوى القيادات التي توصف غالبيتها بالشمولية, ضد الشعوب التي قررت كسر حاجز الصمت بعد رحيل حسني مبارك وزين الدين العابدين بن علي, بينما يستمر حمام الدم في سورية, اليمن وليبيا? وتبقى "درع الصحراء" في المنامة لوقف المواجهات الداخلية فيما تقرر الأنظمة الملكية الأكثر انفتاحا في الأردن والمغرب طواعية الإعلان عن إجراء إصلاحات شاملة.

محللون يرون أن دول الخليج قد تحتاج مستقبلا إلى إسناد أمني, لوجستي أو عسكري من دول مثل الأردن والمغرب للسيطرة على الأوضاع الداخلية في بلاد مثل البحرين, أو لتهدئة مخاوفها من تخلي حلفائها الغربيين, تحديدا الولايات المتحدة, عن هذه الأنظمة في حالة دخولها في مواجهات مع حركات شعبية. ولذلك توفر هذه الدول حلفا أمنيا وعسكريا وسياسيا بديلا مع ملكيات تمتلك قدرات عسكرية تهب للمساعدة. ويكفي التذكير بالدور الذي لعبه الأردن في مساعدة البحرين على احتواء الانتفاضة الشعبية الأخيرة, ودور المملكة التاريخي في مساعدة دول الخليج على بناء مؤسساتها الأمنية والعسكرية.