فرص ضعيفة للخروج من المأزق

فرص ضعيفة للخروج من المأزق
الرابط المختصر

يبدو أن الملف السياسي سيتفوق على الاقتصادي لأول مرة منذ سنوات طويلة؛ حيث تشي المعلومات بأن الهم الرئيس للحكومة هو وضع قانون انتخاب جديد وإجراء انتخابات تحفظ في سجل إنجازات الحكومة.

وللأسف، يبدو أن الخلل وعدم التوازن بين ملفي الإصلاح السياسي والاقتصادي سيعود من جديد، ولكن هذه المرة سيتفوق الأول على الثاني، حيث تشير المعطيات إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة "رعوية" وليس أكثر، وبمثابة عودة أقوى للقطاع العام.

وليس استباقا للحكم، لكن ما يظهر أن الحكومة ستهمل الإصلاحات الجذرية في الموضوع الاقتصادي، ودليل ذلك ما نقلته مصادر مقربة من رئيس الوزراء بأن مشروع قانون الموازنة العامة لن يسحب من مجلس النواب.

ومفاد ما سبق أن مشاكل كثيرة واختلالات مثيرة يعاني منها الاقتصاد لن تشهد أي تغييرات جذرية أو حقيقية؛ إذ لا يبدو أن ثمة أفقا في معالجة الهدر المالي المزمن الذي تعاني منه الخزينة منذ سنوات طويلة، وأنا هنا لا أتحدث عن الإنفاق على السيارات ومكالمات الخلوي. ويبدو أن مشكلة المؤسسات المستقلة الشائكة لن تشهد هي الأخرى حلولا جذرية، خصوصا وأن علاج هذه المشكلة مرتبط أيضا بالموازنة العامة التي تقدم دعما ماليا غير مبرر لهذه المؤسسات بمئات الملايين.

ويمكن القول إن ثبات معظم وزراء الفريق الاقتصادي من دون تغيير يؤكد أن لا اختلاف جوهريا على النهج الاقتصادي المتبع وأن فرص إيجاد رؤية لبرنامج إصلاح اقتصادي وطني محدودة وغير واردة في المرحلة الحالية. وسط المعطيات الحالية يظهر أن علاج مشكلات مستعصية مثل العجز والدين لن يشهد أي تطورات إيجابية أو قفزات كبيرة، بل وستتعاظم المشكلة إذا كنا أمام حلول تعتمد سياسات الدعم ما سيزيد حجم الدين، وبالتالي العجز للإنفاق على بنود رعوية.

كثيرا ما أكدنا على أهمية الجوانب الاجتماعية وانعكاس القرار الاقتصادي سلبيا على حياة الناس، لكن هذه الدعوة لا تفتح الباب لإعادة فكرة الدعم بل معالجة اختلالات كبيرة طالما شكونا منها على رأسها الفساد والهدر. والعودة ألف خطوة إلى الوراء بحثا عن الهدوء الشعبي لا يعني شيئا بعيدا عن تعديلات جذرية لقانون الضريبة بما يحقق العدالة والمساواة ويساعد على إعادة توزيع الثروات بشكل سليم. أن يأتي الملف الاقتصادي في الترتيب الثاني سيزيد من تفاقم مشاكل حقيقية تنخر في استقرار المجتمع مثل الفقر والبطالة وتراجع المستوى المعيشي، والحلول المجتزأة لن تسهم في فك طلاسم المشكلة الاقتصادية ذات التركيبة المعقدة.

معظم وزراء الاقتصاد ليسوا جددا بل كانوا ضمن الحكومات السابقة التي شهدنا خلال فترة عملها تفاقما للكثير من المشاكل، ما يضعف الأمل في إحداث نقلة كبيرة وملموسة في الشأن الاقتصادي بصورته الكلية. المشكلة الاقتصادية متشعبة لدرجة لا يصلح معها اللجوء إلى الحلول السطحية، ويبدو أن المرحلة المقبلة لن تشهد قرارات شجاعة تسهم في حل مشكلة معقدة مثل البطالة التي تنخر المجتمع وتضرب أهم شرائحه وهم الشباب، الذين لم يلقوا اهتماما يجعلهم على رأس الأولويات الحكومية. التقييم المبدئي لطريق العمل الذي يتوقع أن يضعه الفريق الاقتصادي يظهر أنه غير قادر على حمل البلد إلى مستوى جديد ومختلف من العمل الاقتصادي ما يضعف الأمل في إمكانية الخروج من المأزق الاقتصادي.

في الحكومة الجديدة عدد من الوزراء ممن يحملون مواقف من القطاع الخاص وليس هذا المطلوب في فترة لم يعد فيها القطاع العام قادرا على توليد فرص العمل، ما يضع عقدا أخرى في منشار العمل. كما أن إيمان عدد من الوزراء الجدد بأهمية القطاع العام ودوره سيجعل المشاكل تتفاقم لدرجة لا نستطيع معها تحمل ما هو متوقع، ولا أدري ما الفرص المتاحة لتجاوز تلك المحاذير؟

الغد