غنِّ يا "مرشدي"!

غنِّ يا "مرشدي"!
الرابط المختصر

الحرب تدور. يقولون إن هناك طرفان من خارج اليمن، وأنا أقول إن هنالك ثلاثة. عداد الأرباح والخسائر يعمل بكفاءة، ولا موجب للقلق. الخسائر تصبح مقلقةً فقط حينما يحل موعد دفع "الفواتير". أما الدماء والبلاد وإعادتها وراءً إلى عصر الطوائف اللبنانية والطائف السعودي، فهذه تضحيات صغيرة يمكن أن يقدمها بلد فقير تضخم حتى بلغ عدد سكانه خمس وعشرين مليوناً على فقر. وهو علاوة على هذا مضطرب بالأساس!

 

ويتوجب هنا أن نتذكر الكاتب الكبير هيكل.

 

"الرحلة المصرية"، التي يبتهج الكاتب الكبير بتصميمها، طويلة جداً، ومكلفة. وهي أطول مما يمكن أن يمد به العمر. هذا معروف. ولكن ماذا يفعل اليمن إذا كان هذا الرجل، الذي عاش وأخلص طويلاً لعبد الناصر، قد عاش كل هذا العمر الطويل الذي أصبحت معه ذكرى الرئيس الخالد بعيدة جداً، وأنه رغم ذلك لم يحقق كسباً واضحاً في المعترك السياسي على خصمه القديم اللدود هينري كيسينجر، ولا تمكن من تحييد منافسه الجحود بريجينسكي.

 

ما ذنب اليمن أن الرجل قرر أن يكتب هذه المرة التاريخ نفسه، وليس مجرد الكتابة عنه؛ فمد يده، واختار أن يعيد كتابة تاريخ مصر من الحدود إلى الحدود، ومن تأسيس النفوذ إلى تأسيس النفوذ، بدءاً من "شقلبة" خرائط الصراع نفسه!

 

حرب اليمن القديمة نقلت اليمن من القرن الثامن عشر إلى عصر مصر الناصرية، أما الحرب الجديدة فهي محض حرب "صوملة"، أعدها طباخ واحد على موقدين: الأول، سعودي. والثاني، شامي.

 

وراح يغطي حضوره بالحديث عن خطأ توقعاته بشأن ظروف الحرب المقبلة!

 

أي، التبشير بـ"حرب الشام والخليج في العراق". الأقاليم الثلاثة التي بتفكيره تعيق انطلاقة مصرية متحررة من الأوزان والحجوم، ومن الالتزامات والديون. ويعفيها تجاوزها من التحولات الاجتماعية التي بات يراها مستحيلة وغير ممكنة.

 

الحرب تدور. وعداد الأرباح والخسائر يعمل بكفاءة. وفي أولها أن الروابط اليمنية الثقافية كانت على الدوام أقوى من الاختلافات الطائفية. والنعرة اليمنية كانت دائماً أشد من التباينات الأيديولوجية. وأن الزيديين في اليمن، الذين قطعوا منذ مائتي عام شوطاً طويلاً نحو إطفاء وإلغاء الفروقات التي تميزهم عن سائر اليمنيين، دفعتهم الحرب عليهم، والهوية الطائفية لمناصريهم إلى إعادة إحياء تلك الفروقات.

 

الخسائر لا تعوض في كلا الجانبين!

 

لقد حولنا من موقعنا في الشام، ومن موقعهم في السعودية، ومن موقعنا في الحرب، ومن مكانهم فيها، كل الزيديين في اليمن إلى حوثيين. وحولنا على الفور كل الحوثيين إلى متشيعين إيرانيين. وشطبنا من اليمنيين عشر ملايين عربي الثقافة واللسان، وأهديناهم للإيرانيين.

 

نحن وهم فعلنا ذلك بجرأة لا يحسدنا عليها أحد!

 

واليمن الذي كان أقوى من نعراته. وأشد لحمة من نزعاته القبلية، وأعقل من السلاح الذي بيده. والـ"يمانيون في صنعاء، عدنيون في اليمن"، أضحوا جميعاً فريسة لتلك النعرات القروسطوية.

 

والخسارة هنا ليست فقط سياسية، بل ثقافية في العمق!

عداد الأرباح والخسائر هذه المرة متعدد الأوجه، حسب الحصص والحجوم والأوزان، وحسب الدور في قرار الحرب والوصول إليه، بالتساوي على جهتين؛ ولليمنيين من حرب هيكل و"الرحلة المصرية" الطويلة، نصيبهم من المصير الصومالي.

 

من اللطيف أن الحيثيات العربية مدونة بصورتها الواضحة باللغة الروسية.

 

وبالروسية أفكر؛ من اللطيف أن توهم الدنيا أنك تجري حساباتك على أساس أن الحرب المقبلة هي بين الشام والخليج في العراق، في حين أنك في حقيقة الأمر تعبث في معطيات الصراع، لتنسج خيوط حرب في اليمن.

 

اليمن يا "مرشدي"!

 

 

  • ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

 

 

 

 

أضف تعليقك