عودة الحراك
أسباب كثيرة قد تجعل الحراك مرشحا للعودة، وعلى رأسها أن نتائج الانتخابات لم تكن لتحدث فرقا كبيرا، مع أن هذه هي خيارات الناس كما يقول البعض، أو على الأقل هي نتيجة الأغلبية التي ذهبت للتصويت واعتبرت أن المواطنة تساوي المشاركة، والسبب الآخر هو أن الانتخابات لا تجري عندنا على أسس سياسية، وبالتالي لم تسحب الانتخابات نهائيا قوة الاحتجاج من الشارع.
أما أهم الأسباب التي قد تغير في مجريات الحراك وتحوله، فهو تأخر المطالب التنموية، وبالتالي نعود لمشكلة الوعود، ولعل الاخفاق في تحقيق مطالب الناس الخدمية واحتياجاتهم، وعدم القدرة على تخفيف حدة البطالة بشكل لافت، قد يكون السبب الأكبر لإعادة بروز مناطق توتر جديدة وحالات مختلفة من التعبير الاحتجاجي، التي يفترض بها في نظام ديمقراطي أن تبقى موجودة لأنها أحد أشكال التعبير، ومتى كانت وظلت سلمية فهي قد تكون ضرورة للتأكيد بان انتهاءها لا يحدث إلا إذا تحققت الانجازات.
صحيح أن المواطن خرج واحتج مطولاً، لكنه أيضا للآن لم يحس بالفرق السياسي في مجال الإصلاح الشامل، وقد يكون الحكم مبكراً على دور مجلس النواب، ففيه ما يمكن أن يجعل الأمل باقيا على الأقل بأن الانتخابات لم تكن خالية في نتائجها من وجوه محترمة قد تعيد العلاقة بين مجلس النواب والحكومة إلى جادة الصواب، وهذا ما يجعل أي حراك في الأطراف يتريث قبل أي حكم، أو أي فعل، ما دام يرى جدلاً وصراعاً سياسياً محكوماً بقواعد التمثيل الديمقراطي الجيد تحت القبة.
فمثلا لو نافح نواب الرمثا من أجل مطالب منطقتهم الخدمية، ونواب الكرك أو أي منطقة أخرى، لما ظلت المواقف في الشارع على حالها القديم، ولو عملت اللجان عملها في إصلاح التعليم والضريبة والضمان لما بقيت المطالب عند الناس على حالها.
صحيح أن السنة التي مرت كانت استثنائية في طبيعة مجرياتها أردنيا من حيث الحريات في التعبير الهادئ والسلمي مقارنة بغيرنا، وصحيح أن النظام أو الدولة أدركا أنه يجب أن تلبس الدولة حلة جديدة، وتعزز موقع الدستور في حياة الأردنيين، وصحيح أن القدامى من الذين حصلوا على المناصب وتوارثوها خشوا على مكتسباتهم وباتوا قانعين بأن وراثتها لم تعدد ممكنة، وان الأحفاد سيتنافسون مستقبلا مع القادمين من القرى والأرياف على سلم التمثيل والمنافسة، لكن المهم اليوم أن البنية الاجتماعية تغيرت أيضا، لصالح الحالة التضامنية الشعبية ضد الفساد وتكاتف الناس مع أبنائهم الذين يمارسون حق التعبير.
ففي زمن سابق كان المجتمع يمارس ما هو أشبه بسياسة عزل الأبناء المعارضين، أما اليوم فيشهد المجتمع كرنفالاً من حالات الاحتجاج كل جمعة، وتبرز وجوه شبابية جديدة وتختفي أخرى، هؤلاء الشباب اتحدوا ضد الامتيازات والخصخصة والوراثة في المواقع وانعدام العدالة في فرص التعليم، لكنهم برغم كل تنوعهم واختلاف بيئاتهم، متفقون على شكل الأردن الأفضل مستقبلا وهم متعلمون ومندمجون بالمعرفة العالمية. ويتضامون من اجل أي قرية بائسة أو حالة محتاجة في مخيم أو قرية أو قاع عمان، وهذا ما يبرر إمكانية استمرار الحراك؛ لأن الشباب اختبروا في الإخفاق وفي الانتصار، وثبت أنهم يعرفون مجتمعهم جيداً.
الدستور