عن مشروع قانون الأحزاب الجديد
الأصل في أمر تشكيل الأحزاب السياسية هو الإباحة...وثمة قوانين للأحزاب السياسية في عدد من الدول، لا تتعدى الثلاث أو الأربع مواد فقط، ومن باب “حفظ حقوق الملكية” لا أكثر ولا أقل...لكن الصورة عندنا تبدو مختلفة تماماً، فما زالت “رواسب النظرة الأمنية” للأحزاب، تطل برأسها من ثنايا ومواد القوانين ومشاريع القوانين ذات الصلة، وآخرها، المشروع المقدم من الحكومة لمجلس النواب.
الأصل، أن يتشكل الحزب بأي عدد من الأعضاء المؤسسين...في قانون 92 كان الحد الأدنى لعدد المؤسسين لا يقل عن خمسين مؤسساً، ارتفع إلى 500 عضو في قانون 2007، على أن يتحدّروا من أربع محافظات، وبحجة الرغبة في خلق أحزاب كبيرة بتشجيع الصغير منها على التوحد والاندماج، وفي مشروع القانون الحالي هبط العدد إلى النصف، وصار 250 عضواً مؤسساً، يتحدرون من سبع محافظات هذه المرة، وبنسبة لا تقل عن خمسة بالمئة لكل منها، فضلا عن عشرة بالمئة من النساء.
بالعودة إلى قانون 2007، ساري المفعول، رأينا كيف أخفق بعد خمس سنوات من السريان والنفاذ، في تحقيق أي من مراميه...فلا الأحزاب الصغيرة اندمجت وتوحدت، ولا الوحدة الوطنية تعززت وتكرست بفعل “شرط المحافظات الأربع” التي ورد ذكره في القانون، فما الذي يدعو المشرّع وصانع القرار (القانون) للاعتقاد بأن إضافة المزيد من القيود والشروط (المُجربة) يمكن أن تأتي بنتيجة أفضل؟...ولماذا نعود لتجريب المجرّب مع أن تجاربنا الخاصة، قبل تجارب العالم العامة، ماثلة أمامنا وجاهزة للفحص والتحليل والاستنتاج والاستخلاص؟
لقد ترتب على القانون النافذ عزوف بعض النشطاء عن ممارسة العمل الحزبي، ولجوء أحزاب أخرى إلى تضخيم “عضويتها الوهمية” على طريقة “الدوائر الوهمية”، من أجل الحصول على مبلغ الخمسين ألف دينار المخصصة سنوياً للحزب المرخص، ولقد قرأنا وسمعنا عن عمليات بيع وشراء وترحيل أعضاء مؤسسين، وبما يحاكي عمليات بيع وشراء وترحيل الأصوات في الانتخابات...لم تنشأ بفعل هذا القانون أحزاب وتيارات حزبية كبيرة، ظل الحال على حاله، ولم نحصد سوى زيادة في “الإنفاق الاستهلاكي الجاري”.
وبدل أن تكون الأحزاب بوتقة الانصهار الاجتماعي والتوحد الوطني، وفقا لفلسفة القانون وأسبابه الموجبة، انتهينا إلى مزيد من الفرز والاستقطاب، وشهدنا خلال السنوات الفائتة ما لم نشهده طول عمر الدولة ، من نزعات ونزاعات، وتراجع نصيب الأحزاب في البرلمان، بدل أن يكون القانون محفزاً وممهدا لطريق الأحزاب إلى “العبدلي”...لننتهي إلى تقديم نموذج حول “بؤس” المعالجة البيروقراطية/ الأوامرية، في التعامل مع إشكاليات وتحديات سياسية بامتياز، كقضية الأحزاب والوحدة الوطنية والمشاركة.
لقد سبق لمركز القدس أن تقدم بمشروع قانون للأحزاب السياسية إلى لجنة الحوار الوطني، صاغته الأحزاب ذاتها، وبمشاركة واسعة من أكاديميين وناشطين ونواب وفعاليات...في النسخة الأولى من مشروع القانون ذاك، اقترحنا أن يقتصر عدد المؤسسين على خمسين عضواً، رفعه المشاركون إلى مئة بهدف “كسب التأييد”، وقد لاحظنا أن لجنة الحوار الوطني أخذت ما يقرب من خمسين إلى ستين بالمئة من المشروع، وتركت بقيته، وها هو المشروع الجديد، يلقى في سلة المهملات، بما تبقى من ذاك المشروع التوافقي.
أما بخصوص مرجعية الأحزاب، فقد اقترح مشروع “المركز” التوافقي، أن تناط المهمة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كونها الجهة التي ستشرف على تسجيل القوائم النسبية والحزبية، واقترحنا تسميتها مفوضية الانتخابات والأحزاب، البعض اقترح مفوضيتين مستقلتين، لكن الجميع كان متفقاً على وجود “فك ارتباط” الأحزاب بوزارة الداخلية، لكي ننزع “النظرة الأمنية” عن الأحزاب وطرق التعاطي معها، وها هو المشروع الجديد يعيد الأحزاب “مداورة” إلى حضن الداخلية من جديد، فبدل دائرة الأحزاب، هناك لجنة الأحزاب، وكلتاهما، الدائرة واللجنة، من ضمن إطار الداخلية وتحت مظلتها، صحيح أن اللجنة تضم في صفوفها أعضاء من خارج الداخلية، وأن هذه تعد خطوة أفضل مما كان عليه من قبل، لكن الصحيح كذلك، أن مشروع القانون الجديد لم يحدث الاختراق المطلوب بعد، ويعكس استمرار نظرة التحفظ والشك والقلق حيال الأحزاب السياسية.
وثمة بنود تفصيلية في مشروع القانون الجديد، ما كنا نتمنى بقاءها انسجاماً مع مناخات الربيع العربي وانعكاساته الأردنية، من نوع الحد الأدنى لأعمار المؤسسين، ومراحل التأسيس ومزاولة النشاط، وهذه وغيرها من أمور نأمل أن تتولاها الأحزاب في حوارها مع البرلمان البادىء بإنجاز النص النهائي للقانون.
الدستور