عن امتيازات النواب وحقوقهم
الحركة التصحيحية التي قامت بها الحكومة، وألغت بموجبها امتيازات النواب (التقاعد، الإعفاء الجمركي) لاقت استحسانا وتأييدا شعبيا واسعا.
في خلفية المشهد، الصورة المهزوزة، لمجلس النواب السابق. وظلال وإن كانت باهتة، لرغبة في التشفي، ومشاعر دفينة لدى "البعض " في تحجيم النائب وإثارة الرأي العام ضده، لأنه "يتطاول " ويدعي المعرفة وهو....(!!).
بعيدا عن المشاعر العفوية البريئة او الطبقية والسياسية الدفينة. فإن امتيازات النواب وحقوقهم تستحق التوقف والتأمل والإنصاف.
ابتداءً، لا خلاف على مبدأ رفض أي شكل من أشكال الامتيازات التي تخل بحقوق الآخرين، أو التي تعطي حقا لا يكفله القانون. وعليه فإن امتيازات مثل؛ الإعفاء الجمركي أو كوتا الحج وما شابههما، امتيازات باطلة وغير مشروعة؛ ما كان يجب على الحكومات منحها لأعضاء مجلس الأمة، وما كان عليهم قبولها. فضلا عن السعي للحصول عليها. كذلك البدعة التشريعية التي منحت أعضاء مجلس الأمة (قبل العام 89)، حق الجمع بين الراتب التقاعدي الذي تتغير حسبته التقاعدية لتصبح مثل الوزير وبين المكافأة الشهرية. بحيث كانت تتضاعف رواتب البعض عشر مرات!
وقف هذه البدعة التشريعية التي تنطوي على فساد تشريعي ومالي حق وواجب.
بالمقابل... هل حقا يجب أن يكون عمل النائب تطوعيا بلا أجر او حقوق او امتيازات كما يدعو بعض الإعلاميين والمثقفين. هذه الدعوة "البدعة "، مثالية، تفترض مسبقا أن النائب أو حتى المرشح، يجب أن يكون مليئا ماليا، ينفق على تأسيس السلطة التشريعية من جيبه الخاص.
في كل الدنيا، للنواب حقوق وامتيازات، وظيفتها أن تؤمن له البنية التحتية واللوجستية ليقوم بعمله التشريعي والرقابي والتمثيلي، وحياة حرة كريمة تليق بمكانته الدستورية وصفته التمثيلية.
ليست السلطة التنفيذية، من يحدد لأعضاء مجلس النواب أو مجلس الأمة ككل، احتياجاته وحقوق أعضائه وامتيازاتهم. في البرلمانات الديمقراطية بما في ذلك البرلمان اللبناني، موازنة البرلمان مستقلة، وكذلك حقوق البرلمانيين، يضعها ويقررها البرلمان من دون تدخل أو وصاية من السلطة التنفيذية.
السلطة التنفيذية لها حساباتها، وهي تستعمل الحقوق والامتيازات، كأداة ابتزاز وهذا ما علمتنا إياه التجارب.أذكر أنه في المجلس الحادي عشر، كان رئيس الوزراء حينئذ السيد مضر بدران. يرفض أي زيادة على مكافأة النائب التي كان مقدارها (450) دينارا. وفي ذهنه عذابات جلسة الثقة المريرة.
لا يجوز أن تظل السلطة التنفيذية مهيمنة إداريا وماليا على السلطة التشريعية. تخيلوا أن الأمين العام لمجلس النواب تعينه الحكومة.
الفصل بين السلطات لا يعني المواجهة، بل التعاون والتنسيق، بما في ذلك موازنة مجلس الأمة وحقوق وامتيازات النواب.فإذا كان نظام التقاعد الراهن خطأ وهو كذلك. فإنه يمكن الاتفاق على صيغة موضوعية كالانتساب إلى الضمان الاجتماعي مثلا أو تقاعد تدريجي. فلا يعقل أن يمضي أحد النواب اثني عشر عاما في النيابة مثلا ويخرج صفر اليدين بعد ذلك.
كذلك، إذا كان الإعفاء الجمركي لسيارات النواب خطأ، وهو كذلك. لماذا لا يمنح النائب سيارة، تسترد بعد نهاية مدة المجلس، أسوة بالآلاف من الموظفين الحكوميين والعسكريين. وهذه الطريقة في تأمين وسائل المواصلات للبرلمانيين معمول بها في الغالبية العظمى من البرلمانات في العالم.
دعونا نفكر في الدور الدستوري للنائب، ونؤمن له احتياجاته اللوجستية ونحفظ كرامته بموضوعية بعيدا عن الحسابات الصغيرة