عن التحقيق في "البلطجة" بأنواعها

عن التحقيق في "البلطجة" بأنواعها
الرابط المختصر

أمس ، تساءل الزميلان فهد الخيطان وماهر أبو طير عن مصائر لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة لمحاسبة "البلطجية" الذين تعرضوا للمتظاهرين بالعصي والأسلحة البيضاء في شوارع عمان ، على مرأى ومسمع من الجميع ، بمن فيهم رجال الأمن والإعلام ، وقد اتفق الزميلان على أن الأمر لا يحتاج إلى كل هذا الوقت للتعرف على هوية الجناة و"رسم صورة تقريبية" للمحرضين لهم ، توطئة لجلبهم إلى قفص الاتهام لمواجهة العقوبة الرادعة التي يستحقون..الفاعل معروف ، والفعلة النكراء موثّقة بالصوت والصورة ومبثوثة على "اليوتيوب".

تساؤل الزميلين ، عكس قلقاً حقيقياً على "التحقيق" ، وهو قلق يستوطن آلاف الأردنيين الذي تعرضوا للإهانة على يد هؤلاء ، ويهجس به مئات الألوف غيرهم ، ممن عرفوا وشاهدوا وراقبوا وتتبعوا المشهد المؤسف والمؤلم....قلق تغذيه تجارب سابقة ، تحوّلت بنتيجتها لجان تحقيق مشابهة ، إلى أدوات لـ"قتل الوقت" و"تمييع القضية" ، و"إماتة" المسألة برمتها بدل إماطة اللثام عن وقائعها وخلفياتها والمسؤولين عنها والمتسببين بها.

من حق الزميلين أن يقلقا وأن يتساءلا...كيف لا وقضية "أحداث القويسمة" ما زالت عالقة في الأذهان والأدراج المغلقة...كيف لا وقضايا مماثلة تشكلت لفحصها لجان مشابهة ، طواها النسيان وأكل عليها "عامل الوقت" وشرب ؟،.

قلنا من قبل ، ونقول اليوم ، وسنقول من بعد ، بأن محاسبة "البلطجية" ومموليهم ومحرضيهم ، هو أهم اختبار تجابهه الحكومة ، وأول تحدْ يعترض "مشروعها الإصلاحي" ، هذا إن كان لديها مثل هذا المشروع...ها هو الوقت يمضي "من دون حس ولا خبر"....فهل فات الأوان حقاً أم أنه ما زالت بقيةّ من وقت ومتسع...هل سقطت الحكومة في الامتحان؟..أسئلة وتساؤلات نفضل التريث في إعطاء إجابات شافية عليها ، أقله لمعرفة كيف سيكون موقف وتصرف وزير العدل في الحكومة على نحو خاص ، وهو الذي تولى الملف أو أوكل إليه.

وفي ظني ، أن التحقيق بملابسات "جريمة بلطجية ساحة المسجد الحسيني" ، لا يكتمل من دون أن يشمل "البلطجة" بكافة أنواعها وساحاتها ، بما فيها ساحة العبدلي كذلك ، أليس ما جرى في العبدلي قبل أيام قلائل ، "بلطجة" من طراز فريد...وإلا كيف نفسر إقدام أحد النواب على شتم الشعب الأردني ، والتلفظ بعبارات نابية تحت القبة ، من طراز ما يتلفظ به البلطجية عادة في الساحات والشوارع والأزقّة (الزنقات وفقا للتعبير الليبي) ، كيف نفسر تهديده ووعيده بـ"أخذ القانون بيده" والتصدي "متطوعاً" للمتظاهرين في الشوارع...من دون أن ندري حتى الآن ، كيف "أناب" النائب إياه نفسه عن الحكومة ، وكيف قرر على الهواء مباشرة ، كسر "احتكار الدولة للقمع وأدواته" ، وعلى ماذا اعتمد واستند؟.

لقد سبق لصالونات عمّان ومجالسها ، أن تداولت تصريحات ومواقف أدلى بها نوابّ آخرون تصب في ذات الخانة والسياق الذي اندرجت في تصريحات "النائب إياه" ، بل أنها حملت وعيداً بالتصفية الجسدية ، وفي حضرة مراجع عليا في الدولة الأردنية...ولا أدري مرة أخرى ، كيف يستسهل هؤلاء "التقيؤ" بما يجول في خواطرهم الصدئة ، منتهكين "رمزية المكانة" ومتطاولين على "هيبة المرجعيات والمؤسسات".

والحقيقة أن "البلطجة" تصبح أمراً كاريكاتورياً ، عندما تصدر عن "قصير الذيل"...وهي تثير مشاعر السخرية والاستخفاف لدى المقصودين بها ، الذين ما أن يفرغوا من مشاهدة حفلات الشتائم ، حتى يمطروك بوابل من الأقوال والأمثلة الشعبية التي تلخص المسألة ، من نوع: "زعم الفرزدق..."...إلى "إللي ملوش خير في ربعه.."...مروراً بـ"من أول غزواته كسر عصاته"..و"صمت دهراً ونطق كفراُ".

مساكين هؤلاء الذين لم تحرّك كل هذه البطولات التي سجّلها ميدان التحرير وشارع الحبيب بورقيبة ، وكل هذا الكفاح البطولي الممتد من بنغازي إلى مصراته ، لم تحرك لديهم مشاعر النخوة والرجولة ، فاستمسكوا بمواقفهم الذيلية والذليلة ، ظناً منهم أنهم بذلك أنما يظهرون ولاء وانتماء فائضين للأردن ، حكومة ونظاماً...بئس ما ظنوا وما عملوا.

الأردن أقوى وأفضل وأجمل ، من دون هؤلاء...هؤلاء هم الخطر الحقيقي على البلاد والعباد...هؤلاء هم عبء على الحكومة وحمولة زائدة على النظام...صمتهم عبادة ، ووجودهم تحت القبة هو الشهادة على الحاجة الماسّة لتعديل قانون الانتخاب وحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

من يهدد أهله وناسه بالإبعاد عن وطنهم وإلقائهم إلى "الجسر" ، يليق به الالتحاق سريعاً ومن دون إبطاء ، بجوقة مبارك وابن علي والقذافي إلى حيث يجري تجميعهم اليوم ، وفي المكان الذي يليق بهم ، ولن ننزلق إلى لغتهم الهابطة لنقول أين بالتحديد ، فاللبيب يفهم بالإشارة ، ومواطننا العزيز ، لبيب جداً.

لا قيمة للتحقيق إن لم يشمل هؤلاء أيضاً ، حتى وإن تطلب الأمر رفع الحصانة النيابية عنهم...فلا حصانة لمن يشتم الشعب ، مصدر السلطات والصلاحيات...لا حصانة لمن يزرع الفتنة ويحرض على العنف...لا حصانة لمن يروج ثقافة أو بالأحرى "قلة ثقافة البلطجة"...هؤلاء أشد خطورة على أمن الأردن واستقراره وسلامة نسيجه المجتمعي والوطني ، من "البلطجية" المدججين بالهروات والأسلحة السوداء التي تسمى بيضاء زوراً...هؤلاء أولى بالمحاسبة والتحقيق والمساءلة.

الدستور

أضف تعليقك