على مفترق طرق

على مفترق طرق
الرابط المختصر

انطلاق أول مفاعل نووي أردني للبحوث والتدريب يمثّل خطوة نوعية تضع الأردن في رهان مستقبلي، لا بديل عنه، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ يعوّل "مطبخ القرار" كثيراً على الطاقة النووية لحل معضلات استراتيجية أردنية تشكّل تحدّياً وجودياً، في مجال توفير الماء وتوليد الكهرباء وكلفة الوقود وشحّ الموارد الطبيعية.

اكتشاف اليورانيوم بكميات جيّدة (الأردن وفق تقديرات أولية يحتل المرتبة 11 في العالم في وجود اليورانيوم)، مثّل لمطبخ القرار فرصة ذهبية للولوج إلى المستقبل، وتمّ اختيار د.خالد طوقان لخبرته وكفاءته النادرة، وهو المؤتمن، ليصوغ البرنامج النووي السلمي الأردني، ويمنحه طابعاً متعدد الأبعاد، يتجاوز "الاستثمار التجاري" إلى بناء "خبرة" معرفية وتقنية أردنية متخصصة في الحقل النووي، تبدأ من الجامعات، ومن ثم الكفاءات المؤهلة، وتصل إلى مفاعلات نووية كاملة، تخضع لإشراف ورقابة هيئة الطاقة الذرية.

هدف البرنامج النووي الأردني، كما أشار د.طوقان أكثر من مرة، أن يمهّد الطريق لاحقاً ليكون الأردن مركزاً إقليمياً متقدّما يستثمر في هذا المجال، ويوفر الخبرات الأردنية المؤهلة والبنية التحتية للدول الأخرى الراغبة في الولوج إلى الطاقة النووية السلمية.

العقبة التي لم تكن بالحسبان، التحول في الموقف الأميركي والتراجع عن وعود تمّ الاتفاق عليها في مذكرة تفاهم وقعت قبل عامين، بين الطرفين، للتعاون النووي، يلتزم الأردن فيها بشروط معاهدة منع الانتشار والبروتوكولات الإضافية.

إلاّ أنه تحت ضغط الأصوات اليمينية والموالين لإسرائيل تراجعت الولايات المتحدة عن ذلك، وطلبت من الأردن مقابل التوقيع على الاتفاقية التنازل عن حقوقه التي تسمح بها المعاهدة الدولية من تخصيب اليورانيوم بنسبة

الأردن يريد فقط 4 %)، وعن أي عمليات تؤدي إلى إنتاج الوقود النووي، بمعنى حرماننا من "توطين الخبرة النووية"، التي تسمح بالاعتماد على الذات والاستقلال بالموارد الطبيعية وإنتاجها.

20 % (

 

الإمارات العربية وقعت على الاتفاقية مع الولايات المتحدة، بالشروط الجديدة، فيما ما تزال السعودية ومصر (وقعت اتفاقية قديمة تنتهي في العام 2018) والكويت ترفض ذلك، وتؤكد على حقها القانوني والدولي، وتبحث بعض هذه الدول عن تعاون مع الفرنسيين، الذين لا يضعون مثل الشروط الأميركية.

بالطبع، توقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة بالنسبة لنا، ليس ضرورة تكنولوجية، بل يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية، إذ يخشى "مطبخ القرار" أن يؤثّر ذلك على المساعدات الأميركية التي تشكّل مصدراً أساسياً في دعم الموازنة العامة، بخاصة في مثل هذه الظروف المالية القاسية.

الطرف الأميركي لا يفضّل التفاوض مع د.طوقان، الذي يشدد على حق الأردن في توطين التكنولوجيا، والاستقلال بها، كرهان مستقبلي استراتيجي، لذلك تمّ نقل الجانب السياسي في التفاوض إلى وزارة الخارجية، وهنالك مراسلات بين الطرفين ومحاولة للوصول إلى "ضمانات" معينة أو حلول في المنطقة الوسطى.

ليس من المنطقي الطلب من الحكومة الدخول في مواجهة مع الأميركيين في اللحظة الراهنة، لكن المطلوب أيضاً ألا نتنازل عن حقوقنا القانونية والاستراتيجية، حتى لو أدى ذلك إلى تأجيل توقيع الاتفاقية لعدة أعوام، على أن نحمي حق الأجيال القادمة في بناء تكنولوجيا نووية سلمية.