عبد الله بن محمد

عبد الله بن محمد

 

 

في حكاية تاريخية مدهشة، مرمّمة من وقائع بدايات القرن التاسع عشر، يصل صبي أميركي صغير إلى شواطئ اليمن، ولا يلبث أن يندمج في المنطقة، ويتسيد بعضاً من أهلها، ثم يقودهم في حروبهم الطاحنة..

 

الحكاية التاريخية المدهشة تدور حول شخصية جوهانس هيرمان بول، أو عبد الله بن محمد كما عُرف في ظفار. وتبدأ حكايته من مولده في مدينة سيلم الأميركية، التي من عادة أهلها أن يُركبوا صغارهم على متون السفن ليتعلموا مهنة بحرية. ولم يكن الحال مختلفاً مع جوهانس الذي أركبه ذووه على متن السفينة "ايسيكس"، التي انطلقت به من "سيلم"، نحو شواطئ الجزيرة العربية، حيث ميناء المخا الشهير بتجارة "البن"، وذلك في منتصف تشرين الثاني عام 1805، لتصل إلى عدن في بداية شهر آذار من العام التالي.

 

لم يكن جوهانس هيرمان بول، سوى صبيّ صغير، رمت به الأقدار في مرحلة تاريخية دقيقة؛ كان فيها البحر الأحمر قد تحول منطقة صراع على النفوذ بين القوّتين الاستعماريتين الناشئتين: فرنسا وإنجلترا.

 

وفي تلك المرحلة عينها، تمكّن الإنجليز من السيطرة على البحر الأحمر، ولم يبق عليهم سوى السيطرة على جزيرة "كمران" المقابلة لمدينة "اللحية" في الجنوب، ولكن محمد بن عقيل، أحد سادة ظفار، والتاجر المعروف في البحر الأحمر، وصاحب السفن الكثيرة، كان اتفق مع الفرنسيين على تأسيس وكالة لهم في جزيرة "كمران"، وهو لذلك كصاحب نفوذ في المنطقة سيدخل في صراع مع الإنجليز، الأمر الذي سينعكس على ربّان وبحارة السفينة "إيسيكس"،  الذين يتاجرون معه، حيث يتم قتلهم والاستيلاء على سفينتهم. إلا أن الغلام الصغير جوهانس ينجو من القتل، فيعثر عليه التاجر النافذ، فيتبناه، معوضاً به نفسه وزوجته عدم قدرته على الانجاب.

 

ينشأ جوهانس،  في بيت محمد بن عقيل، ويصبح اسمه عبدالله بن محمد. ولدى وفاة محمد بن عقيل يرث عبدالله بن محمد نفوذه ويصبح شيخاً من شيوخ المنطقة، ويقود الصراع القبلي على البر، الذي نشأ بالتوازي مع الصراع البحري بين القوتين الأوروبيتين، ليس باعتباره أميركياً ولكن بصفته المحلية. وبصفته هذه يمتلك قرار الحرب والسلم، ويعلن حروباً ويخوض معارك..

 

الحكاية نفسها ممتعة وشيقة..

 

ولكن نمط عبد الله بن محمد، في تجلياته الكثيرة، في الشرق الأقصى والأوسط وأفريقيا والقوقاز، يمكن أن يرهق العقل؛ ليس فقط لجهة أن استكشاف العالم القديم يبدو قدراً غربياً، بل ولجهة أنه يبدو دائماً في العالم القديم طاقة قتالية هائلة، ضاغطة وتحتاج إلى التفريغ، وتنتظر أية قيادة، تزجها في أية معركة..

 

السؤال المتعب: كم معركة خضناها، وهي ليست لنا؛ لا بأسبابها ولا بنتائجها!

 

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

أضف تعليقك