عام على 24 آذار
مر عام على 24 آذار، ومضى الوقت سريعا وسط تراكض الأحداث وتواليها. شباب 24 آذار قرروا إحياء مرور عام على اعتصامهم تذكيرا بالمطالب الإصلاحية، وتأكيداً على الثبات على موقفهم وعدم التراجع عنه.
بجردة حساب بسيطة سنجد أن ما أنجز خلال الـ 12 شهرا الماضية كان متواضعا، وما يزال الحراك الذي علا شأنه في ذلك اليوم ينزل بشكل أسبوعي إلى الشارع مُصرّا على الإصلاح ومحاربة الفساد.
انقضى العام ولم تتمكن الدولة، بكل مؤسساتها، من إقناع الناس بجديتها في الإصلاح، رغم أنها أنجزت الجزء الكبير من التعديلات الدستورية، وتم إقرار قانون الهيئة المستقلة للانتخابات أخيرا بعد ماراثون طويل، وها هي الحكومة على وشك الانتهاء من قانون الانتخاب المقرر تقديمه إلى مجلس النواب قبل نهاية الشهر الحالي.
وبتحويل قانون الانتخاب إلى النواب، والشروع في مناقشته لوضعه في شكله ومضمونه النهائيين، نبدأ مرحلة جديدة، ستكشف لنا النوايا الحقيقية حيال هذا القانون الذي سيكون بمثابة تتويج لمنظومة الإصلاح التشريعية، لنباشر عقب ذلك الإعداد لإجراء الانتخابات التي لن تكتمل قيمتها إلا إذا تمت حمايتها من التدخلات الأمنية التي كانت تجري في كل الانتخابات الماضية.
ولولا الحراك الذي رافق صحوة المجتمع، لظل الفرد يعاني من قهر لا ينتهي، وكرامة لا تُحفظ؛ فكل ما أنجز وما سيتم إنجازه لم يكن ليتحقق لولا حراك الشباب وإصرارهم على الإصلاح.
التقليل من شأن ما تحقق مرتبط، بحسب ما يرى مراقبون، بمحدودية نتائج سياسات محاربة الفساد، خصوصا أن كل ما جرى حتى الآن من فتح لملفات الفساد تم على وقع الضغط الذي مارسته المعارضة بمكوناتها التقليدية والجديدة، وكانت قوى الشد العكسي تحاول في كل مرة أن تجهض الحراك وتحبس أنفاسه في كل فرصة مواتية.
أخطر ما نجم عن منطق التعامل مع الحراك هو توسيع الفجوة بين الدولة والمجتمع. وهذا ما يسمى علمياً فجوة الإدراك، وفي هذا خطورة كبيرة، خصوصا أن اتساع مدى هذه الفجوة عمّق التشوهات في العلاقة بين الطرفين.
والتجارب الكثيرة خلال العام الماضي كفيلة بتقديم رسائل قوية بعدم جدوى محاولات تشتيت الحراك.
وكل التحالفات التي نشأت في الفترة الماضية بين قوى مختلفة كثيرة مناوئة للإصلاح فشلت، وتحديدا التحالف غير المعلن بين قوى الفاسدين وبعض مراكز الدولة، إذ يدرك المواطنون أن محاربة الفساد ما تزال انتقائية وغير مكتملة النمو رغم كل ما يقال عن الجدية على هذا الصعيد.
المماطلة كانت سيدة الموقف، والتسويف عنوانه العريض.
ورصيد الثقة بين السلطات والمجتمع هو الخاسر الأكبر في معركة الإصلاح التي طال أمدها، لدرجة لم يقدّر الناس معها التنازلات التي قدمتها الدولة.
قوى الشد العكسي، التي تخشى على مكتسبات حققتها خلال العقود الماضية أكثر من خوفها على الوطن، هي من يضع البلد في موقف محرج وحرج، ويشي بأن نوايا الإصلاح غير موجودة، ما يستفز الناس أكثر ويجعل الحراك أكثر إصرارا على الإصلاح ومحاسبة الفاسدين الذين استثمروا علاقاتهم خلال السنوات الماضية لجني منافع خاصة؛ حيث أثروا وجنوا كل خيرات البلد.
الوقت يضيع، والعاقل من اتعظ بغيره، ولدينا فرصة سانحة لعبور المرحلة بسلام شريطة أن ندرك أن السر بات معروفا بعد أكثر من عام، ولا ينكره أي عارف بالبلد وأهله
span style=color: #ff0000;الغد/span