صورة ضائعة لسيدة جائعة

صورة ضائعة لسيدة جائعة
الرابط المختصر

عمرها قارب الخمسين عاما وصحتها لم تعد كما في زمن الشباب، إلا أن سنوات العمر وعيون الناس لم تمنعاها من البحث في حاوية القمامة عن لقمة تسكت بها أنين طفليها الجائعين.

السيدة الخمسينية، كما يروي لي المصور المبدع الزميل محمد أبوغوش، وجدت بعض الزاد الذي قدمته لطفليها، بعد أن راقبها منتظرا أن تقلب الإشارة الحمراء ليتسنى له المضي في طريقه.

المشهد كما يقول أبوغوش أكثر إيلاما من صورة لم يستطع التقاطها كما يجب، بعد أن لمحت الأم آلة التصوير وخبأت أطفالها بين ثنايا عباءتها خوفا على براءتهم التي لم تدرك بعد أنها ضاعت وأهدرت وسط معاناتها وإياهم من فقر قاتل ومخيف.

أمثال السيدة الجائعة كثيرون، حيث يتواجد لدينا في الأردن حوالي 15 ألف جائع يفطن لهم المرء مع أول أيام الصيام ويتذكر أنهم غير قادرين على توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية للبقاء على قيد الحياة.

وظروف هؤلاء هي الأشد إيلاما بين حوالي 781 ألف فقير أردني يتوزعون على مختلف مناطق المملكة، ما يزيد على نصفهم في المحافظات الأكثر سكانا وهي العاصمة والزرقاء واربد.

ورغم أن 57 % من الفقراء يتجمعون في أكبر ثلاث محافظات، إلا أن معدلات الفقر فيها تتراجع نظرا للكثافة السكانية فيها.

ثلث الفقراء الأردنيين يتجمعون في جيوب الفقر البالغ عددها 32 جيبا يتواجد فيها نحو 263 ألف فقير، وهؤلاء فقرهم اشد وطأة كونهم في تجمعات كل من يقطنها فقير، ولا قدرة لأحد منهم على مساعدة الآخر وانتشاله من فقره.

وزيارة ميدانية لإحدى هذه الجيوب تظهر الظروف المعيشية القاسية التي يقبع في ظلها سكان هذه الجيوب، لاسيما أن معظم سكان هذه المناطق يعانون من فقر غذائي، يعجزون أمامه عن توفير السعرات الحرارية التي يحتاجها الجسم.

فشدة الفقر في مجتمعات الجيوب الفقيرة لا تخفى على الناظر، حيث تفوح رائحة الفقر ويراها بأم عينه من دون حاجة إلى البحث عن الفقر والفقراء.

فالفقر في هذه المناطق يتجسد في وجوههم وملامحهم، وبيوتهم وما تحويها من لا شيء، والعوز تصوره قدما طفل يمشي حافيا، ربما لأنه لا يملك حذاء أو لم يتعلم منذ تنفس هواء هذه الدنيا أن ثمة شيئا ابتكره الإنسان يسمى حذاء.

حلول ومبادرات كثيرة متاحة لتقليل عدد الجوعى لدينا، أولها وأهمها تفعيل مبدأ وفكرة المسؤولية الاجتماعية عند الشركات.

فعدد الجيوب لدينا 32 جيبا، وبلا شك يوجد في الأردن أكثر من 150 شركة مساهمة عامة وخاصة تستطيع، إن توفرت النوايا، أن تقلل عدد الجوعى وتحسن أحوال سكان المناطق الفقيرة.

خط الفقر الغذائي يبلغ 24.3 دينار للفرد شهريا، وخط الفقر المدقع 21.3 دينار، وقيمة هذه الخطوط متواضعة جدا ومحدودة، وإدراك حجم المشكلة وحلها يحتاج إلى بث روح التكافل والشعور بالآخر، إذ يقدر كثير منا على انتشال شخص واحد من فقره المدقع وجوعه المزمن.