صفقة "الملكية": أكثر من هدف
ثمة انتقادات شديدة تبرز اليوم، بشأن قصة خروج رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي من شركة الملكية الأردنية؛ وذلك على قاعدة أن الحكومة تقدم تنازلات له، وتفرض ضغوطات على صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي لبيع حصص أسهم يملكها في بعض الشركات الاستراتيجية، وهو أمر ينفيه المسؤولون في الصندوق.
ما يقال هو أن الحكومة تسعى إلى كسب رضا ميقاتي، وإن كان ذلك على حساب أموال "الضمان الاجتماعي". إذ يشاع الكثير من الكلام حول المكاسب الكبيرة التي حققتها المجموعة اللبنانية التي تعود له، من امتلاكها حصة في "الملكية".
ميقاتي يسعى إلى بيع حصته في "الملكية الأردنية" بعد استثمار دام سنوات، منيت الشركة خلالها بخسائر متتالية؛ نتيجة الأزمة المالية العالمية، وتراجع قطاع الطيران، وارتفاع أسعار النفط.
وقد دفع المستثمر اللبناني وقت عقد الصفقة، في العام 2008، مبلغ 48 مليون دينار، بسعر 3.2 دينار للسهم. واليوم، هو يفكر في البيع بسعر دينار للسهم، في وقت يبلغ سعر السهم في السوق 55 قرشا، لتصل القيمة الإجمالية للصفقة مبلغا لا يتجاوز 9 ملايين دينار، عن حصة تشكل 16 % من الشركة.
نوايا ميقاتي للبيع تزامنت مع توجه محلي لزيادة رأسمال "الملكية"، ورفع حصة الحكومة فيها، ما جعل الأخيرة تفكر في شراء حصة ميقاتي، بعد أن وافق مجلس الوزراء على زيادة رأس مال الشركة بمقدار 50 مليون دينار.
التفكير الاستراتيجي للحكومة يتمثل في رفع حصتها في "الملكية" وصولا إلى نسبة تزيد على 70 %، تركيزا منها على الناقل الوطني. إذ تمتلك "الملكية" خصوصية تميزها عن باقي الشركات، وتجعل مقبولا دعمها للحفاظ عليها كشركة سيادية. وهذا ليس أمرا استثنائياً في الحالة الأردنية، بل سياسة تتبعها الكثير من الدول.
كما أن مغادرة ميقاتي كمستثمر مهم يدير مجموعته التي يزيد رأسمالها على 6 مليارات دولار، هي مسألة تضر بسمعة الاستثمار في هذا الوقت الحساس. ولذلك، تسعى الحكومة إلى بقاء نشاطه في المملكة. ولتحقيق هذا الهدف، قدمت عرضا لميقاتي باستبدال حصته في "الملكية" بأسهم في شركات أخرى.
الصفقة معقدة بعض الشيء، وأطرافها متعددون؛ فهي بين "الملكية" وميقاتي من ناحية، وبين الأخير والحكومة، وأيضا بين الأخيرة وصندوق استثمار أموال الضمان.
تقوم الفكرة على أن تشتري الحكومة من "الضمان" حصصاً تمتلكها المؤسسة في عدد من الشركات، ثم تستبدلها الحكومة مع المستثمر اللبناني بحصته في "الملكية الأردنية".
العرض يبدو مقبولا من ميقاتي الذي تربطه علاقات طيبة مع الأردن، ويحرص على دعمه. وهو لذلك يدرس حاليا عدداً من المشاريع التي يمكنه الدخول فيها مقابل الخروج من "الملكية".
وقائمة المشاريع التي يفكر في تملّكها والمعروضة عليه، لا تشتمل أسهما بنكية استراتيجية لمحفظة "الضمان"، ومنها بنوك "العربي" و"الإسكان" و"الأردني الكويتي"، فيما تضم هذه القائمة التي ما يزال يدرسها ولم يوافق عليها بعد، شركات إسمنت، وعقارات، وبنوكا صغيرة ومتوسطة الحجم.
كان يمكن لميقاتي بيع حصته لأي جهة كانت، وكان بإمكانه رفض فكرة المبادلة والإحلال. لكن مثل هذا السيناريو كان سيهدد "الملكية"، ويفاقم من مشكلتها.
ما يجري في "الملكية" ليس سابقة؛ إذ قامت الحكومة سابقاً بشراء حصة المستثمرين الكويتيين في "المتكاملة"، لإنقاذ الشركة المسؤولة عن النقل في عمان. وبالتدقيق قليلا والربط بين "الملكية" و"المتكاملة"، نكتشف أن قطاع النقل ما يزال بحاجة إلى رعاية رسمية، ولم يحن بعد موعد رفع الغطاء عنه على النحو المتسرع الذي قامت به حكومات سابقة، وأدى إلى قصص فشل في القطاع؛ سواء في النقل البري أو الجوي.
بالقياس إلى سعر السهم، ومقارنة مع قيمة الصفقة استناداً إلى الحصة المملوكة، وكذلك بالنظر إلى الأرقام والحكم عليها، تُستشف نتيجتان. الأولى، أن في الصفقة إنقاذا للملكية التي تمر بأزمة كبيرة. والثانية، تتمثل في الحفاظ على مستثمر مهم، بالسعي إلى إبقاء نشاطه في الأردن. ولا ضير في الهدفين، طالما أن تفاصيل صفقة تبادل الأسهم لا توقع غبناً على "الضمان" وأموالها.
وقد لا تكون الصفقة مثالية، لكنها بالتأكيد لا تقارن بمحاولة الحكومة شراء حصة بروناي في الفوسفات، والتي بيعت بمبلغ 70 مليونا، تنوي الحكومة شراءها بمئات الملايين.
الغد