صدمة "المقاطعة" تشغل "الدوار الرابع"
تسخن مناقشات حكومية "ماراثونية" حول "ردّ الفعل" الرسمي بعد إعلان جماعة الإخوان المسلمين بالأمس بيانها بشأن مقاطعة الانتخابات، وقد شهدت الأيام القليلة الماضية اتصالات مكثّفة من مسؤولين رسميين مع أقطاب الجماعة في محاولة لـ"اختبار" إمكانية التراجع عن "المقاطعة".
الصدمة الحكومية بدت واضحة في الأيام الماضية بقرار المقاطعة نفسه، إذ كانت النصائح تؤكد أنّ "الإخوان" سيشاركون حتما، ما خلق عدة قراءات رسمية ذهب بعضها أنّ قرار شورى الإخوان بمثابة "تكتيك"، وراهن البعض على أنّ شورى الجبهة سيفتح أفقاً لـ"قناة خلفية" مع الحكومة، بتأجيل البت في القرار، وهو رهان سقط أيضاً بتصويت المجلس بأغلبية كبيرة مع المقاطعة.
ردّ فعل "مطبخ الحكومة" انقسم منذ اللحظات الأولى إلى اتجاهين؛ الأول وقد ظهرت بوادره بتصريحات المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الزميل سميح المعايطة، الذي سارع إلى التقليل من شأن قرار الإخوان ومشاركتهم، بل وأخذ على عاتقه خطاب التصعيد، وهو موقف تقاطع مع "جهات رسمية" أخرى رأت في القرار فرصة مناسبة للتخلص من "دوشة الإخوان"، ومن الحسابات المعقّدة في "اللعبة الانتخابية".
ويتمثّل الحل، برأي هذا الاتجاه، بحملة إعلامية على الجماعة تلقي مسؤولية "قرار المقاطعة على الأزمة الداخلية" وتروّج قصة "الهروب إلى الأمام" و"الدوافع الشخصية لمن فشلوا بالانتخابات السابقة".
في المقابل، انطلق اتجاه آخر، يقوده وزراء مؤثرون، ولهم حضورهم السياسي، من قراءة مختلفة تماما ترى في المقاطعة الإخوانية مشكلة حقيقية قد تضرب نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية، بخاصة في المدن الكبرى الرئيسة، التي يتكثّف فيها الصوت الأردني (من أصول فلسطينية)، إذ يمتلك "الإخوان" حضوراً واسعا، وتشير أرقام رسمية إلى نسبة تصويت لـ"الجماعة" تصل إلى 70 % في هذه الشريحة الاجتماعية الواسعة.
"الاتجاه العقلاني" في الدوار الرابع طلب من الناطق باسم الانتخابات، سميح المعايطة، التوقف عن التصعيد الإعلامي مع "الإخوان"، والتهدئة إلى حين حسم الموقف من المقاطعة، بانتظار عودة رئيس الوزراء من إجازته الخاصة، ومناقشة خيار "الحوار السياسي" الخلفي، والمبادرات المحايدة لإقناع "الجماعة" بالعدول عن قرار المقاطعة، ليس على "قاعدة الصفقة"، بل "انفتاح سياسي" يُطمئن "الإخوان" بأن تجربة العام 2007 لن تتكرر، وأنه لا توجد "نية مبيّتة" ضد الجماعة.
مبادرة الحكومة، وفقاً للأوساط الرسمية، بمثابة محاولة لتوفير "مخرج" للجماعة من المقاطعة ومنحها "سُلما" للنزول عن الشجرة. أمّا المصادر الإخوانية فتؤكد للمسؤولين، في جلسات خاصة، أنّ الشرط الرئيس الموضوعي للعودة عن المقاطعة يتمثّل بـ"ضمانات" أكيدة.
أصدقاء "الإخوان" وخصومهم يتفقون على أنّ الانتخابات من دونهم ستكون "منزوعة الدسم السياسي"، وربما الرهان الآن على موقف رئيس الوزراء الذي يسعى إلى تسجيل انتخابات مختلفة في عهده، تُكتب في سجله، وهي ميزة سيُضعفها كثيرا غياب "الإخوان".
بلا شك، ليس من السهولة عودة "الإخوان" عن قرار المقاطعة، لكنهم في بيان الأمس طرحوا قضايا واقعية يمكن الوقوف معهم فيها على "أرضية مشتركة"، ويبقى وجود معارضة عقلانية واقعية في المجلس أفضل بكثير من ولادة معارضات راديكالية متشددة خارج قواعد اللعبة السياسية نفسها!