صحافيون بين فكي حجب المعلومة والتقاضي

صحافيون بين فكي حجب المعلومة والتقاضي
الرابط المختصر

يتغنّى الأردن الرسمي ليل نهار بأنه أول بلد عربي شرّع حق الحصول على المعلومة في عصر تدفق المعلومات وثورة الانترنت, مع أن البون شاسع بين التنظير والتطبيق.

نظريا يؤكد وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال علي العايد أن قانون حق الوصول إلى المعلومة, الصادر عام ,2007 فرض على المسؤول تزويد الإعلاميين بالمعلومة تحت طائلة المساءلة القانونية ب¯ "اعتبارها حقّا لا منّة".

هذا كلام جميل تطرب له آذان مَعْشَر الصحافيين.

لكن ثمّة فارقا واسعا بين الفرص المتاحة, بحسب القانون "الديكوري والشكلي" الذي يرسم ملامح تداول المعلومات بين السلطة ونحو سبعة ملايين أردني, وما يحدث على أرض الواقع, حتى أن صحافيين يصفونه تندرا بأنه "قانون حجب المعلومة".

أما عقلية المسؤولين لدى التعامل مع الإعلام فحدّث ولا حرج. والمفارقة أن الاستعلاء وحجب المعلومة يأتيان خاصة ممن تخرّجوا من أرقى جامعات الغرب التي تشجع التعددية وتروّج لمفاهيم الحرية الفردية وحق التعبير عن الرأي.

برأي مسؤولين, ينحصر دور الإعلام في التطبيل والتزمير للحكومة والتغني بإنجازاتهم. ومن يجرؤ على توجيه النقد البنّاء, يتهم بأنه معارض ويشخصن الأمور أو رأس حربة لصالونات سياسية أو بوق لمتقاعدين خدموا الدولة لسنوات, قبل أن يقال بعضهم بطرق مهينة تحمل في طياتها روحا ثأرية/ انتقامية تضعهم في خانة الأعداء, مع أنهم أبناء دولة.

ويبدو أن حال التقوقع يتجه إلى التعمق مع بروز مؤشرات حكومية بقرب إصدار سلسلة تشريعات, يتوقع أن تزيد القيود على الإعلام لا سيما الالكتروني. ويلتقي نواب مع مسؤولين في التعتيم واعتبار ما يجري تحت القبّة أو في الدوار الرابع "شأنا داخليا", حارمين الجمهور من حق المعرفة.

لو سمح للإعلام بالوصول إلى المعلومات لما تفّشت الاشاعات وتواصل مسلسل شبهات الفساد من دون علاج, وهو يطل علينا من مشاريع كبرى محصّنة هدرت الملايين من ميزانية الدولة ومقدرات الشعب.

لئن افترضنا جدلا أن الصحافي حاول الحصول على المعلومة بطرق مشروعة, فسيصطدم بكم هائل من العقبات الإدارية وعقليات عرفية نتيجة منطق الوصاية والاحتكار. فغالبية المسؤولين يفضلون عدم الحديث إلا داخل غرف مغلقة من دون ذكر أسمائهم, مع إعلاميين يثقون بهم مع أنهم يتسابقون لفتح دفاترهم لصحافيين وباحثين أجانب. بل ويزودونهم أحيانا معلومات خطيرة سرية يعاقب عليها قانون حماية وثائق وأسرار الدولة, الساري منذ أربعة عقود.

قانون حق الحصول على المعلومة لم يسهم حتى الآن في تحريك المياه الراكدة كما فشل في رفع سهم الأردن دوليا في فضاء الحريات. فمستخدمو القانون لم يتجاوزوا 5 % من الصحافيين, بحسب استطلاع أجرته الزميلة مجدولين علاّن ضمن تحقيق استقصائي نشرته في »العرب اليوم« أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر. بل انخفض تصنيف الأردن من دولة حرّة جزئيا, إلى غير حرّة عام ,2010 وفقا لمؤسسة فريدم هاوس الأمريكية.

لو نشر ذلك التحقيق الاستقصائي في دولة تحترم الإعلام وتتحفّز لتجاوز الأخطاء, لسارعت حكومتها إلى دراسة نتائجه سعيا لإزالة العراقيل الإدارية والتطبيقية التي تحول دون تسهيل مهمة الحصول على المعلومة.

من بين الأسباب التي أدّت إلى تعطيل القانون وتفريغه من محتواه قصور الحكومة في توفير بيئة ملائمة لتطبيقه وإخفاق الصحافيين في استغلاله بعد أن تعودوا على طرق أخرى لجمع المعلومات.

الزميلة علان قدّمت عشرة طلبات للحصول على المعلومة بهدف قياس مدى استجابة المؤسسات الحكومية للقانون. دائرة المكتبة الوطنية ومجلس النواب كانا الأسرع في التجاوب مع تلك الطلبات. أما وزارة التربية والتعليم, التي تلقت طلبا بخصوص عنف الطلاب ضد المعلمين في المدارس, فاتصل ناطقها الإعلامي بكاتبة التحقيق بعد أكثر من خمسة أسابيع ليطلب منها إرسال الطلب مرة أخرى, ما يعني أنه فقد في الطريق. وزارة الداخلية تلقت طلبا لمعرفة الغطاء الذي عملت تحته جماعات تبشيرية قبل إبعادها/طردها عام .2008 بعد انتظار أكثر من شهر, وصل الرد خاليا من أي معلومة ذات صلة.

مجلس الوزراء حجب هو الآخر معلومة تتعلق بتقرير أوضاع المعلومات في الأردن لعام ,2008 الذي يرسل عادة من مجلس المعلومات للحكومة. حجة الرفض تلخصت بعدم توافر "شرط المصلحة المشروعة" لدى شبكة "أريج" التي أشرفت على تحقيق الزميلة علاّن, علما أن المعلومة كانت ستستخدم لتدعيم التحقيق الصحافي.

رفض الحكومة استند إلى منطوق المادة (7) من قانون ضمان حق الحصول على المعلومة; وجود "مصلحة مشروعة أو سبب مشروع" لمن يطلب معلومات.

كذلك قدّمت الكاتبة طلبا لدائرة الأراضي والمساحة لمعرفة هوية مستثمرين عرب وأجانب وأثمان أراض أميرية بيعت لهم. الدائرة رفضت الاستجابة بحجة سرية المعلومة, استنادا لتصنيفها ضمن الوثائق المحدودة, طبقا لقانون حماية أسرار ووثائق الدولة, الذي تتعارض بنوده مع قانون حق الحصول على المعلومة.

في غضون ذلك, عمّمت الحكومة بتاريخ 6-7 -2010 على جميع مؤسساتها الالتزام بقانون حماية أسرار ووثائق الدولة تحت طائلة المسؤولية.

قانون حق الحصول على المعلومة يعطي المؤسسات هامشا واسعا لحجب المعلومة بدعوى السرية. فالمادة 14 منه تلزم المؤسسات الحكومية بفهرسة وثائقها بحسب الأعراف المهنية وتصنيف ما يجب اعتباره منها سرياً ومحمياً, بحسب التشريعات النافذة. ورغم أن التصنيف المقصود للوثائق هو الرجوع إلى قانون حماية أسرار ووثائق الدولة, إلا أن الصورة تبدو ضبابية في بعض المؤسسات الحكومية.

تظهر نتائج مسح عشوائي في إطار التحقيق على 16 مؤسسة حكومية عدم وجود معايير مشتركة بين المؤسسات لتصنيف وثائقها.

ففي وزارة الصناعة والتجارة مثلا, تتم الأرشفة والتصنيف بحسب نظام معتمد داخلها. أما مديرية الأمن العام فتصنف المعلومات اعتمادا على سياسة خاصة بها, فيما تفهرس هيئة مكافحة الفساد المعلومة حسبما تراه مهما للرأي العام من وجهة نظرها. دائرة الأحوال المدنية ترفض كشف أي معلومة حول آلية فهرسة وثائقها, بأمر من مساعد المدير العام.

محاضر مجلس الوزراء تختفي بحجة عدم تدوينها.

ثلاث سنوات على إقرار القانون, وست مذكرات أرسلها رئيس الوزراء سمير الرفاعي في فترات متباعدة للمؤسسات الرسمية يدعوها للانتهاء من عملية الفهرسة والالتزام بجزيئيات أخرى متعلقة بالقانون, لم تفلح في فتح أبواب الوزارات والدوائر الحكومية. فمن بين 124 مؤسسة حكومية, لم تنته 15 % منها من فهرسة وثائقها. ولم يثبت أن مسؤولي الحكومة نفذوا جولات ميدانية لتفقد وضع من أنهى عملية التصنيف, بحسب معلومات أدلى بها مفوض المعلومات مأمون التلهوني.

ما يميز قانون الحصول على المعلومة هو حق مستخدمه بالطعن قضائيا إن رفضت المؤسسة منحه المعلومة. وهذا ما حصل فعلا في سياق التحقيق الاستقصائي.

في أواخر أيلول الماضي, سجّلت الزميلة علان أول طعن ضد دائرة الأراضي والمساحة أمام محكمة العدل العليا.

من البداية لم تكن الطريق إلى المحكمة معبدة. إذ رفضت اعتبار كاتبة التحقيق صحافية لأنها ليست عضوا في النقابة. هذه معضلة قد تواجه نحو 500 من 1200 صحافي/ة غير مسجلين في النقابة.

لتجاوز هذه الإشكالية تم تسجيل المشتكية كمواطنة أردنية فقط.

وحدها دائرة ضريبة الدخل من بين 16 مؤسسة احتوت على نموذج رسمي موحد يشترط تعبئته لإضفاء الصفة القانونية على طلب الحصول على المعلومة. أما في الفضاء الإلكتروني فلا يبدو الأمر أفضل حالا. إذ لن تجد النموذج إلا على موقع رسمي واحد; مجلس المعلومات الوطني الذي أسس بعد إقرار قانون حق الحصول على المعلومة.

هنا يكون الصحافي أمام خيارين: إما الاستسلام أو التوجه لمحكمة العدل العليا ودفع رسوم تسجيل قضية تتراوح بين 50 و500 دينار. فمن سيدفع ذلك ثمن قضية على الأرجح ستكون خاسرة?

بعد سرد هذه الامثلة الموثقة التي ترسم صورة قاتمة لتدفق المعلومات وتداولها, هل يحق للحكومة التغني بقانون ما يزال حبرا على ورق? أما الصحافيون, فعليهم تحدّي المعيقات الرسمية وكشف ثغرات القانون على أمل تعديله يوما ما حتى تصبح المعلومة حقّا ولا منّة, فعلا ولا قولا للمواطن والصحافي

العرب اليوم