صاروخ تائه

صاروخ تائه

اندلعت الحرب، وانطلقت الصواريخ تدك أهدافها. كانت ذكية ودقيقة الإصابة؛ وكان ذلك مطمئناً إلى حدِّ أني لم أجد داعياً أو ضرورة لتغيير عاداتي اليومية، فانطلقت، بدوري، نحو مقهى السلام المجاور، كعادتي كل يوم، لأحتسي قهوتي الصباحية.

ولم أتوقع أن أتعرض للموقف المزعج الذي تعرضت له!

كنت أعبر الشارع باتجاه المقهى حينما فوجئت بصاروخ مجنح يعترض طريقي، ليقف أمامي مضطرباً يداري ارتباكه، على نحو يخدش ثقتي الكبيرة بذكائه، ويعكر طمأنينتي لدقته.

حاول أن يقول شيئاً، لكنه لم يقو على ذلك؛ فقلت محاولاً مساعدته:

-         ربما ضللت الطريق!

هزّ رأسه مؤيداً.

تأملته باشفاق، فبدا لي تائهاً لا يلوي على شيء. حينها رثيت لحاله فأخذت بيده، ودعوته لاحتساء فنجان قهوة معي. فلم يمانع، وانقاد لي كحمل أليف، بينما كانت الحيرة تملأ عينيه.

دخلنا المقهى، ودعوته للجلوس، فاستجاب باستكانة محزنة، فجرت داخلي مشاعر متضاربة، وأشعرتني بالمسؤولية إزاءه.

قلت راغباً في المساعدة:

-         ما كان هدفك؟

قال مرتبكاً:

-         انطلقت بالخطأ، ولم يكن أحد قد حدد لي، بعد، هدفاً.

قلت:

-         ربما عليك أن تجد هدفاً تصيبه؟

قال:

-         أفضل أن أعود من حيث أتيت.

قلت:

-         فكرة لا بأس بها.

في الواقع، لم أرتح لفكرته؛ إلا أنني بالمقابل، فكرت أنه ربما لا يكون ذكياً بالقدر المتوقع ممن هم مثله، ولكنه على الأقل عاقل، وليس أرعناً، كما يوحي سلوكه وحيثيات انطلاقه.

ولم أجد في ذلك عزاءً كافياً.

قال، بعينين متوسلتين:

-         لا أجد طريق العودة. أترشدني؟

تأملته مجدداً، وفكرت: "ربما لا يجدر بي السماح له بالاستسلام لفكرة أنه انطلق بالخطأ". "لا يليق بسلاح ذكي ذلك"؛ لذا، لم أستسغ فكرة ارشاده إلى طريق العودة. ولكنني قررت مساعدته، وقدرت أن بوسعي أن أُقدم على تضحية بسيطة، تسهم في الحفاظ على ثقة المواطنين، المسالمين المطمئنين، بذكاء الصواريخ ودقتها.

وعليه، شكرته على اتاحته الفرصة لي بتبادل الحديث معه، وتناول فنجان قهوة بصحبته، ثم قلت له:

-         اعذرني، لا أجد من اللائق أن لا تصيب هدفاً ما!

وأرشدته إلى بيتي، ووجهته إليه ليصيبه!

أضف تعليقك