لا يستطيع احد في بلدنا ان يهرب من استحقاق «الاصلاح» واذا كان البعض ما يزال يعتقد انه قادر على «الالتفاف» على مطالب الناس او التعامل معها بمنطق التأجيل.. فانه يخطىء كثيرا، لا في تقدير الموقف السياسي والاجتماعي فقط وانما يخطىء بحق البلد ومستقبله وبحق الناس ومطالبهم المشروعة وبحق «المسؤولية» .
منذ اكثر من خمسة شهور ونحن نحرّض على «الإقدام» نحو التغيير والاصلاح وندعو بحرارة الى فهم رسائل الناس التي انطلقت بوضوح ووصلت الى كل من له اذنان يسمع بهما ولكن يبدو –للأسف- ان اصواتنا ذهبت ادراج الرياح وان ثمة بيننا من لا يريد الاصلاح من اصله او لا يستطيع ان يتحرك باتجاهه ولم يعد الامر يحتمل التخمين او الشك فكل «الشيكات» التي صرفت من بنك الاصلاح تبين انها «بلا رصيد» وكل «المناورات» التي جرت لاقناع الشارع بان قطار التغيير قد اندفع للامام اصبحت مكشوفة وكل التحشيد الذي تابعنا فصوله ضد «دعاة» الاصلاح رسّخ لدى الجمهور قناعة واحدة هي ان «الناس ومطالبهم» في واد والمسؤولين ودعواتهم وتصريحاتهم وممارساتهم في واد اخر.
اخطر ما نواجهه في هذه «الازمة» هو «الرهان» على المعالجات المألوفة التي اعتمدناها فيما مضى، ابتداء من الترضيات الى الترقيعات الى المقاربات السياسية لامتصاص غضب الناس الى الفزاعات التي لم تعد تقنع احدا فهذه كلها تجاوزها الزمن ومعها بدأنا ندخل في «متاهة» لا نعرف الى اين ستنتهي بنا، واذا كان البعض ما زال يراهن على امكانية انحسار الحراك الاجتماعي او امكانية «تجزئته» واسكاته فان الاجدى من ذلك هو افتراض «سيناريوهات» ابعد واخطر قد تدهم ابوابنا دون سابق انذار.
الثمن السياسي الذي دفعناه يوم «الجمعة» في مواجهة اعتصام خجول ومحدود كان باهضا ولنا ان نتصور حجم «الكلفة» السياسية والاجتماعية التي يمكن ان ندفعها لو تطور هذا الحراك وارتفعت سقوف المطالبة فيما مواقفنا الرسمية ظلت مقيدة داخل صندوق الانتظار وعدم الاستعجال فيما استطاعت قوى «اعداء الاصلاح» ان تحشد وتبتدع الادوات لمواجهة ارادة الناس في التغيير وحقهم في الاصلاح.
لا نريد ان نذهب الى «الخيار» الاسوأ، ولا نريد ان نتابع فصول تحولات فجائية ما زلنا بعيدين نسبيا عن «مشاهدها» المرعبة، لا نريد ان يتحول بلدنا الى ساحة «للأزمات» والصراعات تصفية الحسابات او ان «يجرنا» العجز في التنفيذ الى استلهام تجارب اخرى لا تتناسب مع طموحاتنا ورؤيتنا للاصلاح «الآمن» والمضمون والاقل كلفة، نريد ان نفهم رسائل الناس ونأخذها على محمل الجد وان يصار الى تنفيذها وصولا الى «مرحلة» تحول ديمقراطي حقيقي لا مكان فيها للاستئثار بالسلطة او بالمال او بالتسامح مع الفساد او بالعبث في مصالح الناس وحقوقهم.
المخرج الوحيد من هذه «الازمة» هو «التوافق» على ثورة بديلة من داخل النظام تقنع الناس وتستجيب لمطالبهم المشروعة وتجهض كل المحاولات التي تجري لحرف «بوصلة» البلد نحو المجهول .. هذه الثورة اصبحت ضرورية لاستعادة زمام «المبادرة» واستباق الاحداث المتصاعدة.
الدستور