شراء الولاء بالاستثناء

شراء الولاء بالاستثناء
الرابط المختصر

منذ عقود طويلة ابتدعت الحكومات الأردنية سياسة دعم سلع وخدمات، وقدمت امتيازات  ووزعتها بناء على معايير محددة تصب في صالح سياساتها، لتشتري سكوت المستفيدين عن أخطائها.
والملاحظ اليوم، أن هذا الدعم أسهم بقتل روح المبادرة والابداع لدى شرائح من المجتمع تعودت على الحصول على منافع صغيرة، اعتقدت معها أن عيشها غير ممكن من دون تلك الامتيازات، لدرجة دفعتها لتجميد التفكير حيال قضايا الإصلاح ورفضها حفاظا على الفتات الذي تحصل عليه.
وفي غمرة انشغال الناس بتأمين لقمة العيش وتعليم الأولاد، خلقت الحكومات المتعاقبة بيئة خصبة تساعدها على الفساد والظفر بحصة الأسد من خيرات البلد.
ووجد البعض أنفسهم بعد عقود طويلة من التدجين رافضين ومتخندقين في جبهة الشد العكسي المناوئ للإصلاح، حرصا أو خوفا على تنفيعات جعلتهم رهينة للقمة الخبز وما جادت به الحكومات.
وهدفت سياسات الدعم والتنفيع لجعل المجتمع رهنا لحكومات قدمت له مختلف صنوف الكوتات والامتيازات، مقابل شراء الصمت على الأخطاء التي ارتكبت بحقهم من قمع للحريات وتغييب للديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات.
وظلت الوصفة سارية المفعول حتى لحظة الحقيقة، حينما أدركت المجتمعات أن ما مورس بحقها لم يكن إلا خداعا وطريقة للالتفاف على حقها بعيش كريم ضمن مواطنة حقيقية تخضع لمبدأ الحقوق والواجبات.
سياسات الدعم والهبات التي خلقتها الدولة لم تكن كرما بل بديلا سهلا وثمنا رخيصا من الإصلاحات والديمقراطية، من دون الاكتراث لمعايير الشفافية والمحاسبة ومحاربة الفساد الذي تفشى حتى في سياسات تحرير الأسعار التي اضطرت لها الحكومات، بعد أن أثقلت فاتورة الدعم والتنفيعات موازناتها، وبدأت تبحث عن حلول أخرى على حساب الناس كما هي العادة. 
 ما لم تحسب الحكومات حسابه أن مثل هكذا نهج سيفقدها بالتدريج الولاءات التي سعت لشرائها، وها هي تتكشف اليوم أمام الصوت المطالب بحقوقه كافة، بدءا من العيش الكريم والتعليم اللائق الذي يؤمن فرصة عمل محترمة، وانتهاء بمحاربة الفساد والفاسدين.
وتكريس حالة الاعتمادية والتسول التي كرستها سياسات التنفيع لم تعد تجدي اليوم، بعدما تكشفت الحقائق وارتفعت الأصوات مطالبة بالإصلاح سبيلا للقضاء على كل الأخطاء والكوارث التي اختبأت خلف سياسات الدعم.
بعد الثورات العربية لم يعد ثمة متسع لسياسات زيادة الأجور والرواتب وتوزيع المعونات، وفقدت مثل هذه التوجهات سحرها ولم تعد تقنع الناس بالتنازل عن مطالبهم بالإصلاح الذي يكفل تساوي الفرص ويسهم بتقليص فجوة التنمية بين مختلف المناطق ويعطي فرصا متساوية للجميع تضمن توزيع مكتسبات التنمية بعدالة على الجميع.

الغد

أضف تعليقك