من استمع إلى الشعارات التي انطلقت في الشارع يوم الجمعة لا بد وانه شعر “بالفزع” والسؤال ليس متعلقا فقط بهؤلاء الشباب الذين هتفوا بما تجاوز كل ما الفناه من “سقوف” وإنما بمن دفعهم إلى الخروج عن “طبيعتهم” وبمن “ايقظ” هذا المارد المخيف في داخلهم بعد ان كدنا نطمئن إلى “عقلانية” حراكاتهم ومطالبهم ونطوي صفحة “الخيبة” التي ولدتها سياسات تنقصها الحكمة واجراءات أزّمت المشهد أكثر.
نخطىء كثيرا حين نستهين بما نسمعه يتردد في الشارع ونخطىء ايضا حين نعتقد بان ما حصل من ارتدادات بعد قرارات رفع الاسعار وبعد اخراج “الصوت الواحد” من المقبرة التي اعلنا مرارا اننا دفناه فيها للابد، كان مجرد “فشّة” خلق، او لحظة “غضب” عابرة، وحتى لو افترضنا -جدلا- ذلك فان من واجبنا ان نجيب عن أسئلة هذا الذي فعلناه بأنفسنا وجعلنا امام حالة من الارتباك وسوء “التقدير” لما يتغلغل تحت سطح مجتمعنا وما يطفو عليه ايضا من مستجدات لم يخطر في بال -جيلنا على الاقل- ان يسمعها بهذا الشكل.
لا اريد ان ادخل في التفاصيل، لكن لا اخفي انني اشعر بأن ثمة اخطاء لا بد من استدراكها، وبان ثمة من يدفع الناس الى المجهول، وبأن “الرهان” على عقلانية الشارع يجب ان يتوازى مع اطلاقات مبادرات وطنية جادة تجعل من هذا الرهان امرا واقعيا والا كيف يمكن ان نفهم ما يجري من افتزازات هنا وهناك، تارة باسم “الانقاذ الاقتصادي” وتارة اخرى باسم “هواجس الجغرافيا” والهدف دائما هو تعطيل “عجلة” الاصلاح وابقاء حالة “الشد والجذب” كما هي.. دون ان ندرك في اي اتجاه نسير.. ولا الى اية محطة سيأخذنا القطار.
ان اخشى ما اخشاه هو ايصال الناس الى قناعة يجري الترويج لها مفادها ان “ما قدم من اصلاحات يكفي وزيادة.. وان ما يتردد في الشارع ليس أكثر من “صراخ” مشروع يقابل بمقررات قاسية غير قابلة للنقض او الرفض، وبأن السكوت عما يحدث في الشارع مطلوب لذاته ومقصود ايضا وبان “أي تصعيد” سيدفع الى خيار “الحل الاستثنائي” وهذا الخيار قد يكون مبررا في لحظة ما، سواء لأسباب داخلية او اقليمية، واذا كانت هذه السيناريوهات هي الوحيدة التي تقدم لنا جزءا من فهم صورة ما يحدث وما يمكن ان يكون لاحقا فان اقل ما يمكن ان نقوله هنا هو ان “قوى الشد العكسي” قد انتصرت فعلا، وبان مهمة حماية بلدنا مما يواجهه تحتاج الى “وقفة” وطنية صادقة فنحن لسينا امام حسابات سياسية يمكن مناقشتها والتوافق عليها وانما امام حسابات وطنية عابرة للحكومات والنخب وامام “مستقبل” وطن وهيبة دولة وشرعية نظام يفترض ان نحررها جميعا من صراعاتنا وسجالاتنا وان يحسب المسؤول الف حساب اذا ما احسّ -لحظة- انها ستكون مجالا للنقاش العام.. ناهيك عن التجريح والنقد.
كل اردني غيور على وطنه لا بد ان يشعر “بالحزن” وبالمرارة مما حدث وبالخوف مما قد يداهمنا به المستقبل وإذا كان لا بد ان نصارح انفسنا فان امامنا فرصة ثمينة للخروج نهائيا من هذه الدوامة وهذا لن يتحقق الا اذا تصالحنا مع ذاتنا، المجتمع مع النخب، والماضي مع الحاضر، وصولا الى “حل” حاسم يعيدنا الى سكة “الاصلاح” سكة السلامة التي لطالما دعونا اليها منذ ان دقّت ساعة التغيير في محيطنا العربي القريب والبعيد.
span style=color: #ff0000;الدستور/span