سوشي المنسف

سوشي المنسف

لو لم يخرج محمد بن عبد الله على عادات وتقاليد أهله وعشيرته، لكنتَ اليوم يا دكتور ما زلت تسجد لهُبل!

أقول هذا ردّا على مدير العلاقات العامة والإعلام في وزارة الداخلية، الدكتور زياد الزعبي، الذي أكد في تصريح له "أن الوزارة لن تكتفي فقط بمنع المهرجانات والفعاليات التي تمس الدين الحنيف والعادات". وبيّن الزعبي بأن الوزارة ستلاحق أيضا أي دعوى لإقامة مهرجانات أو فعاليات مخالفة للعادات والدين وسيتم محاسبة أصحابها.

لكن إطلاق النار في الأعراس وجرائم "القرف" عادات أردنية، فهل ستحاسب من لا يُطخطخ ابتهاجاً؟ هل ستلاحق من لا يقتل شقيقته منافحاً عن "الشرف"؟

أأسمعك تقول: المقصود هو ملاحقة المخالفين للعادات الجيدة فقط؟ طيب اختلفنا إذن هنا، فما تراه جيداً لا أراه كذلك بالضرورة، فما الحل؟ هل لك بتزويدنا بدليل للعادات الأردنية الجيّدة؟

العادات الأردنية كلمة فضفاضة وبما أننا دولة قانون فربما الأفضل أن نلتزم بالدستور لا العادات، خصوصاً إن كنا موظفين كباراً في الدولة.

من يملك أن يمنع ويلاحق ويحاسب وفقاً للعادات؟ لا أنت ولا غيرك! الدستور لا يمنع أو يحاسب أو يلاحق وفقاً للعادات بل وفقاً للقوانين؟

لستُ هنا بمعرض الحكم على "وجاهة" أو "سَقاعة" المهرجانات المقصودة وإنما أنا بمعرض تقييم "وجاهة" الدولة! إن كان ثمة ما يدعى كذلك!.

الأردن دولة مدنية ذات دستور ينص على عديد من البنود المخالفة للشريعة الإسلامية، مثل قوانين ترخيص البارات والأندية الليلية، فلمَ تركت الحمار وتعلّقت بالبردعة؟ لمَ تدقّ بمن يخالف العادات (أي أصحاب مهرجانات البيجاما والبيرة والألوان) وتترك من يخالف الشرع (الدولة التي ترخّص عمل البارات والأندية الليلية مثلا)؟ الدولة التي تمثّلها أنت بصفتك موظفاً حكومياً؟

رأيتُ كثيراً من مرتدي البيجامات في شوارع الزرقاء في طفولتي، ومرتدي بيجامات في أفران إربد، رجال بالطبع، ولم يلاحقهم أحد، فهل مرتدو بيجامات اليوم– مخالفو العادات الأردنية أخطر من مخالفي الدستور؟ أخطر من مخالفي القوانين؟

هل الأردن فعلاً دولة قانون حين يقوم فيها ممثلو الدولة قبل غيرهم بتقويض الدولة وفرض اجتهاداتهم الخاصة؟

رئيس الوزراء الذي يمتنع عن تنفيذ الدستور فيحرم المرأة الأردنية حق منح جنسيتها لأولادها لا يحترم الدستور ويخالف القوانين.

مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تحرم أولاد الأردنية من راتبها التقاعدي لا تحترم الدستور وتخالف القوانين.

القاضي الذي حَرم سيدة أردنية من الإدلاء بشهادتها أمام المحكمة لأنها غير محجبة، وأحلّ رأيه الشخصي محل الدستور لا يحترم الدستور ويخالف القوانين! بعِلمي نحن لسنا طالبان ولا إيران! إذ يمكن لامرأة "سافرة" التمتع بحقوق المواطنة، أم أن حملة التملّق الحكومي للتيارات الإسلامية في مواجهة تيارات إسلامية أخرى تجعل الدولة تغضّ الطرف؟

هؤلاء هم من يقوّض الدولة وينتقص من "هيبتها"، لا مجموعة من الشباب الراغبين في تعبير سطحي عن مللهم بتنظيم مهرجان!

هؤلاء هم من يقوّض الدولة وينتقص من هيبتها، لا المسخمطين الذين "يطيلون اللسان" على وزير أو مدير أو حتى ملك!

إذن بدل ملاحقة المتهمين بالمَسْخَرة المسمّاة "إطالة اللسان"، الأحرى أن يتم ملاحقة من ينتقص من هيبة الملك بإهمال قراراته، ومن ينتقص من هيبة الدولة بالدعوة إلى ما يخالف دستورها وما يوحي بوجود دولة داخل الدولة؟

أما عاداتنا، فليست مقدّسة، والأصل أن تتغير بين جيل وآخر أو تنقرض إن لم تنسجم مع متطلبات العصر. لنأخذ المنسف كرمز لعاداتنا وتقاليدنا.

فقد تغيّر المنسف من المنسف المشترك بين الجميع يأكلونه بأيديهم، إلى منسف يقدّم في أطباق وملاعق، إلى سوشي المنسف الآن، إذ، واستجابة للظروف الاقتصادية وضرورات الحداثة وتقلّص عدد أفراد الأسرة الأردنية، تحول المنسف إلى كُرات أنيقة من الرز وثلاث خيوط من اللحم في كل منها ملفوفة برقاقة من خبز الشراك وبجانبها صحن صغير من "المليحية"، حيث يمكنك استعادة طعم الأيام السعيدة، من دون خراب ديار وسُلَف ودراما!

الدرس المستفاد؟ لننسّ أمر تقديس العادات، ولنكفّ عن النظر إلى الشعب الأردني بوصفه كتلة مصمتة واحدة، أو كقطيع، ولنجتهد في التحوّل إلى دولة قانون ومجتمع مدني.

*روائية أردنية مقيمة في السويد. حائزة على جائزة الشارقة عن روايتها الأولى "ثلاثون". صدر لها رواية "كأنها مزحة"، وكتاب "دليل الاستخدام".

أضف تعليقك