سجوننا ذات "الأبواب الدوّارة"؟!
تعرضت قضية «محاربة الفساد» لنكسة كبيرة بعد الإقرار الحكومي الرسمي بوجود أحد المحكومين في «قضية المصفاة» خارج البلاد، وبحجة تلقي العلاج في لندن، وفي ظني أن ظلالاً كثيفة وكئيبة من الشك وانعدام الثقة واليقين، ستهيمن على مشاعر الأردنيين ومواقفهم، وهم الذين ما انفكوا يتعرضون لوابل من التصريحات البرّاقة والوعود الرنانة بمحاربة الفساد وقطع دابره واستئصال شأفته.
إن منسوب الإحباط سيرتفع لدى مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد... فمنذ متى ونحن نبعث بسجنائنا المرضى إلى الخارج لتلقي العلاج، هل ستفتح إدارة السجون لدينا فرعاً لها في مايو أو كليفلاند كلينيك؟.. وما الذي يمنع أن نرى غداً أو بعد غدٍ، زملاء خالد شاهين، في واشنطن، يتابعون تحصيلهم الجامعي في جون هوبكينز أو جورج تاون، أليس التعليم كالحياة، حق للمواطن/ السجين؟ ثم، ما الذي يتبقى بعد ذلك، من حديثنا ليل نهار عن «معجزة الإنجاز الطبي» في المملكة، إن كان علاج السجين غير ممكن إلا في لندن.... وماذا عن حق ستة ملايين أردني غير مقتدر في «الحياة» والعلاج الطبي المناسب، هل هذا الحق «حلال» على السجناء المقتدرين، و»حرام» على المواطنين، غالبية المواطنين الساحقة، من غير المقتدرين؟.
ما هذا الكلام الذي يمطروننا به صبح مساء، ما هذه الأعذار المُستخفة بعقولنا والمُفتئتة على ذكائنا... وكيف يمكننا أن نصدق بعد اليوم، بأن سجوننا ذات «الأبواب الدوّارة» ستحتفظ بأي سجين فاسد من الذين يجري ملاحقتهم في «موارد» أو «الكازينو» أو غيرهما؟... منذ متى أصحبت «الأبواب الدوّارة» ملائمة لأمن السجون والسجناء، هل يعقل أن يدخل هؤلاء السجن من باب ليخرجوا من الباب الآخر.
ثم، ما المسافة بين «الحقيقة» و»الشائعة» فيما يقال عن «السجون ذات الخمسة نجوم»... هل نكافئ الفاسدين والمفسدين بمحاكمتهم وإيداعهم في فنادق فاخرة أم نعاقبهم على شرّ أعمالهم، شأنهم في ذلك شأن كل الخارجين على القانون ومنتهكي المحرمات وسرّاق المال العام... ما الحكمة في التمييز بين المواطنين حتى في السجون، بين من يملك وبمقدوره أن يدفع «من جهة، وبين سجين فقير ومعدم من جهة ثانية... أية فلسفة حقوقية تبرر هذه السياسة التي لا يبدو أن أصحابها والقائمين عليها والمروّجين لها، قد تولدت لديهم القناعة بعد، بأن الفساد جريمة يحاسب عليها القانون، وأن الفاسد، مجرم يستحق القصاص، لا العطف والتمييز والإحسان.
لدينا لصوص سرقوا «بابور كاز» يقبعون في السجون، وفي ظروف سيئة من الاكتظاظ وسوء المعيشة والمعاملة، وقضية السجون عندنا، كانت موضع أخذ ورد طوال السنوات الماضية، فهل يعقل أن نعاقب صغار اللصوص بكل هذه القسوة، وأن نمنح كبارهم تأشيرات سفر وإجازات مرور للعلاج والسياحة وممارسة البيزنيس واستئناف الفساد، في عواصم النور والضباب وبلاد الفرص وغيرها من مدن المتروبول؟ من بين جميع المطالب الإصلاحية التي يتنادى الأردنيون لتحقيقها، تقف قضية «محاربة الفساد» في صدارة الأولويات وجداول الأعمال... وهي بحق، قضية إجماع وطني، لا يختلف عليها اثنان، بخلاف بقية عناوين أجندة الإصلاح التي يمكن أن تكون موضع شد وجذب بينهم، تبعاً لاختلاف مواقعهم ومواقفهم... ومن بين جميع المطالبات الإصلاحية، التي سيكون للتقدم في إنجازها أثراً إيجابياً عميقاً على الرأي العام الأردني، تدفعه لاستعادة الثقة بحاضره ومستقبله، هي قضية «محاربة الفساد»... ومن بين جميع المطالبات الإصلاحية التي بات الناس على يقين بأنها عصية على الإنجاز والتحقيق، هي قضية «محاربة الفساد»، فلماذا كل هذا الضجيج إذن، لماذا نرفع سقف توقعات الناس، لنعود فنهبط بها؟.. لمصلحة من يجري استرضاء فاسد أو فاسدين، والمقامرة في المقابل، بإغضاب الشعب كله؟.. هل بلغت قوة «حزب الفساد» هذا الحد، هل بات الفاسدون فوق القانون والعدالة جهاراً نهاراً؟
الدستور