سأقاطع
عقب ارتفاع أسعار اللحوم البلدية، قررت مقاطعة شراء هذه السلعة بعد أن حلّق سعرها ليزيد على 12 دينارا للكيلوغرام الواحد.
وبعد أن زاد سعر طبق البيض على أربعة دنانير، قررت مقاطعته بكل أصنافه؛ البلدي والنباتي والعادي.
ولو كان بيدي لقاطعت المدارس الخاصة التي ترتفع أقساطها عاما بعد عام، بل وفصلا بعد آخر، إلى درجة صار معها القسط المدرسي هماً وعبئاً لا يطاقان.
وأنا بالأصل مقاطعة للنقل العام بسبب تدني مستوى الخدمة التي يقدمها، وغياب ثقافة النقل العام، وضعف احترام الخصوصية التي لا يتقنها كثير من الأردنيين.
سأقاطع أيضا محلات المجوهرات التي غلا ثمنها، وأطالب الشباب والشابات المقبلين على الزواج بمقاطعة الذهب بعد أن زاد سعر الغرام على 30 دينارا.
سأقاطع بعض المطاعم التي أكدت لنا دائرة الغذاء والدواء أنها تبيعنا طعاما فاسدا لا ترتضيه بعض الحيوانات.
ولن أقترب أبدا من محال الحلويات التي تسوق لمنتجات أكل الزمن عليها وشرب.
سأقاطع الإعلام الرديء الذي يغتال الشخصيات ولا يمتلك المهنية العالية، ولا يضع الأردن نصب عينيه في كل حرف يخطه.
لكنني أعلل النفس بأن الزمن كفيل بفرز غثه من سمينه.
سأقاطع مسلسل "الزوجة الرابعة" الذي يكرس فكرة تعدد الزوجات وضربهن، في قوالب كوميدية مسليّة، تنتهك كرامة المرأة.
ولن أشاهد مسلسل "عمر"، ليس لأن تصوير الخلفاء الراشدين حرام، بل لأن المضمون سطحي والعرض ممل.
وسأقاطع مسلسل فرقة ناجي عطا الله بما فيه من استخفاف بعقل المشاهد العربي، وكوميديا خارج سياقها الدرامي.
سأجبر أطفالي على مقاطعة المسلسلات التركية التي تؤدي دور المربية، وتجعلهم خارج دائرتي التي أريد.
سأقاطع نشرات الأخبار التي تحكي كل يوم عن قهر الشعوب العربية وجوعها، والظلم الكبير الذي يقع عليها.
وسأقاطع مشاهد الدم والقتل في سورية؛ فبعد أكثر من 25 ألف ضحية لم يعد ضميري يستوعب رؤية دماء أكثر.
سأقاطع المانجا والجزر الإسرائيليين اللذين يغزوان أسواقنا المحلية، لأقول لكل العالم إن السلام الذي عقدته القيادات محض كذب وأوهام، وإن الشعوب لن تقبل أبدا بصداقة العدو.
سأقاطع أمسيات السفير الأميركي الرمضانية بعد تصريحاته غير المتوازنة والقاصرة حيال مسيرة الإصلاح في الأردن، وتدخله في شؤوننا المحلية.
سأقاطع كل الأرقام والإحصاءات الرسمية لأنني أشك في صحتها وموضوعيتها، ولأنها لا تعبر عن الواقع الذي نحياه؛ فالفقر أكبر من الأرقام، وكذلك أعداد الشباب العاطلين عن العمل أكبر مما هو معلن!
ويا ليتني أهزم الخلوي والانترنت و"الفيسبوك" و"تويتر" وأقاطعها، فهذه الاكتشافات رغم عولمتها قد أفقدت الكل خصوصيته، وأشغلت الناس حتى عن أنفسهم، وجعلت نهارهم ليلا وليلهم نهارا.
سأقاطع موسم التنزيلات، لأنه كاذب وغير حقيقي، ومحاولة للخداع واستغلال إفراطي في الاستهلاك.
سأقاطع النكد ومحطات الكآبة والرتابة، وأبحث عن محطات الفرح والأمل.
وسأقاطع كل ما يسبب لي الحزن ولا يضيف إلى حياتي شيئا.
الغد