روليت روسي
في عام 2009 أطلقت المغنية البربادوسيّة الشهيرة ريهانا أغنيتها الموسومة بعنوان "Russian Roulette" أو روليت روسي، تيمّناً بلعبة المقامرة القاتلة، التي اخترعها الجنود الروس لتحدّي بعضهم، إثباتاً للشجاعة، أو رغبة في الانتحار، إذ يُحشى المسدّس الذي يحتمل ستّ رصاصات، برصاصة واحدة فقط، ويتمّ تدوير الأسطوانة، بحيث قد تطلق الرصاصة القاتلة أو تبقى في حجرتها، وهكذا يكون احتمال الموت واحد إلى ستّة. شخصيّات شهيرة حاولت الانتحار بالروليت الروسيّ، ونجت، منها مالكوم إكس، وويليام شوكلي مخترع الترانزستور، والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء. ريهانا في أغنيتها تشير إلى أنّ حبيبها الذي سيغادرها يلعب معها اللعبة ذاتها، إنّه سيغادر مثل رصاصة أصابت هدفها، فهكذا هي علاقات الحبّ، تحاكي أحياناً الروليت الروسيّ!
لاشكّ في أنّ ريهانا التي عاشت في نيويورك تعرف جيّداً الروليت الآخر، الفرنسيّ، لعبة القمار الشهيرة التي اخترعها في القرن السابع عشر عالم الفيزياء بليز باسكال، في بحثه عن الآلات دائمة الحركة، حيث تتألّف من عجلة يدوّرها موظّف صالة القمار في اتجاه، ويلفّ الكرة في الاتجاه المعاكس، وعلى الكرة أن تقع على أحد اللونين اللذين راهن عليهما المقامر، أحمر أو أسود، أو على واحد من الأرقام الواقعة بين 1 و36...
ربّما فات ريهانا أن تعرف أنّ هذه المقامرة، الروليت الفرنسيّ، هي التي أوصلت إلينا روايات من عيون الأدب الواقعيّ العالميّ، تلك التي كتبها دستويفسكي الروائيّ الروسيّ الذي عاش في بطرسبرغ بين 1821 و1881، وأدمن هذه اللعبة.
كان دستويفسكي مصاباً بالصرع، وكانت حاله تسوء حينما تنفد موارده الماليّة، وتحول دون أن يمارس لعبته المفضّلة، والتي كتب بوحي منها روايته الشهيرة "المقامر". لكنّ هذه الرواية ليست الوحيدة التي أنتجتها اللعبة كما تروي زوجته آنا دستويفسكا في مذكّراتها عنه. كلّ ما كتبه دستويفسكي كان بدافع الحصول على المال لتسديد الديون التي تفرضها العائلة الممتدّة، مثلما يفرضها الروليت، كان يعمل تحت ضغط عصبيّ هائل كيّ يحصّل نقوداً من الناشرين، ويذهب للحصول على متعته ولم تكن آنا لتمنعه أو تلومه، بل كانت تشجّعه، وتتحمّل فاقة الخسارة، لأنّ هذا الغرام باللّعب هو محرّك من محرّكات الكتابة لديه، ونتيجة لسياسة زوجته هذه، اتخذ قراراً في يوم ما، بترك الروليت: "إنّ يديّ الآن طليقتان، كان اللّعب يقيّدني".
تحت ضغط الرغبة في اللعب كتب دستويفسكي رواياته: المراهق، والشياطين، والأبله، والجريمة والعقاب، وكان لا يملك وقتاً كافياً لمراجعتها وتعبيدها، لذا جاءت مليئة بالترهلات، ولم تكتب كما كان يرغب بكتابتها، تلك منطقة ساخنة يمكن التفاعل معها بالنسبة لدارسي تاريخ الأدب، والسيكولوجيّين. الروليت الفرنسي مثل صنوه الروسيّ، قد يقتل المقامر أيضاً، لكنّنا لا يمكن أن ننكر أنّه منحنا عيون الأدب العالمي، تلك الروايات التي تحكي سيرورة مجتمعاتها، والتي ما كانت لتكون بلا مقامرة!
- د. شهلا العجيلي: كاتبة، وروائيّة، وأستاذة الأدب العربيّ الحديث في الجامعة الأميركيّة في مادبا. لها في الرواية "عين الهرّ" الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية 2009، و"سجّاد عجميّ".