رواتب الاردنيين في تآكل مستمر

رواتب الاردنيين في تآكل مستمر
الرابط المختصر

ايام قليلة تفصلنا عن قرار حكومي جديد يتعلق بتعديل آخر على اسعار المحروقات حسب معادلة سعرية مرتبطة بالسعر العالمي, وحسب المعطيات الاولية لواقع السوق فانه من المرجح ان تكون هناك زيادة جديدة قد تصل الى خمسة بالمئة على معظم المشتقات النفطية, مما يعني ارتفاعا اخر على اسعار معظم السلع والخدمات.

آلية تسعير المحروقات محليا هي شهرية, بمعنى انه اذا واصلت اسعار النفط عالميا الارتفاع على النحو الذي نشاهده عليها الان قريبة من حاجز الـ 100 دولار للبرميل فان ذلك يعني ان اسعار المحروقات في المملكة سترتفع شهرا بعد شهر, فكيف للحكومة والمواطن معا ان يواجها تداعيات ارتفاع الاسعار بشكل دوري ? يبدو ان المواطن سيكون على اعصابه بداية كل شهر, والامر لن يقتصر عليه فقط انما على التجار الذين يلجأون دائما الى الرفع سواء كان مبررا ام غير مبرر, ناهيك عن اصحاب الحافلات ووسائط النقل واصحاب المطاعم والشحن وغيرها من القطاعات التي لا تتوانى عن الرفع, اما عند التخفيض فتتحجج بالف حجة وحجة للتنصل من مسؤولياتها.

مسلسل ارتفاع الاسعار يبدو انه لن ينتهي في ظل الواقع الراهن, فمعظم الزيادات الحاصلة في اسعار الطاقة والغذاء سببها عالمي, وان كانت هناك مبالغة في بعض الاحيان في الارتفاع بسبب جشع التجار, لذا فان دخل الافراد سيواصل تراجعه بسبب تآكله مع ارتفاع معدلات التضخم الى مستويات قياسية ناهيك عن ان التغير في اسعار المستهلك سيكون سريعا وكل شهر.

الحكومة لم تخصص هذا العام اية زيادات استثنائية على رواتب العاملين والمتقاعدين لديها لمواجهة اثار التضخم الجديد, والمعروف ان الموازنة تواجه عجزا مزمنا لا يعطي مرونة لصانع القرار بالتحرك نحو تلك الزيادة, من جهة اخرى يواجه العاملون في القطاع الخاص ايضا تحديات لا تقل عن ما يعانيه زملاؤهم في القطاع العام, فالزيادات شبه متوقفة والتوظيف كذا شبه جامد, مما يرتب تحديات واضحة للعيان بالنسبة للامن المعيشي للاردنيين حتى لو قامت الحكومة بزيادة الرواتب او طلبت من القطاع الخاص زيادة رواتب العاملين هناك فان ذلك يبقى حبرا على ورق, على اعتبار انه ليس للحكومة سلطة ادارية عليه, وماذا يعنيه قرار الحكومة بزيادة الموظفين, فمعظم اصحاب الشركات الكبرى ليسوا اردنيين, وبالتالي لا تعنيهم توجهات الحكومة وهم لا يعون المسؤولية الوطنية والاجتماعية الملقاة على كاهل تلك المؤسسات والشركات التي ما كانت لتحقق تلك الارباح الطائلة لولا الدعم الحكومي والتسهيلات التي تقدم لهم تحت مسميات متعددة اضافة الى كفاءة وانتاجية العامل الاردني, لذا فان هناك شريحة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص البالغ عددهم 600 الف شخص ما زالوا يقبعون تحت رحمة ارباب عمل ليس لهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالخطاب الرسمي للدولة, وكل ما يفكرون به هو كم سيحولون اموالا من ارباحهم للخارج.

الحكومة بدورها تحاول جاهدة وقف النزيف الحاصل في دخل الافراد من خلال اتخاذ الوسائل والاجراءات الكفيلة بتحسين مستوى معيشة المواطنين, مثل مراقبة الاسواق وتخفيض الرسوم الجمركية والضريبية عن السلع الغذائية الرئيسية, الا ان نتائج التجربة على ارض الواقع ما زالت متواضعة واجزم انه لولا الزيادة الاخيرة على الرواتب لكان الامر مأساويا للغاية, فاسعار السلع والخدمات في ارتفاع متواصل, ومسألة تدخل الدولة في عملية تحديد الاسعار يحيطها الكثير من المخاطر اكثر من الفوائد, لان السوق المحلية اليوم بات مسيطرا عليها مجموعة قليلة من التجار الذين يتحكمون بمستويات الاسعار بعد ان باتوا قنوات الاستيراد الوحيدة في السوق.

على ضوء التحديات الاقتصادية الراهنة والمتسارعة على معيشة المواطنين, فانني اجزم ان الحكومة لا تملك اية وسائل خاصة لتحسين مستوى معيشة المواطنين وتوزيع اكثر عدالة للنمو الاقتصادي سوى من خلال اعادة النظر في مستوى الاجور والرواتب للعاملين والمتقاعدين في القطاعين على حد سواء, وهذا امر يجب ان يتم شهريا مع كل قرار حكومي بتعديل اسعار المحروقات, وانا اقترح ان يكون هناك بند على سلم الرواتب خاصٌ بارتفاع المحروقات, بحيث تصرف على الراتب زيادة شهرية مرتبطة بزيادة اسعار المحروقات, وتصرف اذا ما تمت الزيادة وتحجب اذا ما انخفضت الاسعار وهكذا.

هنا يطرح السؤال المعتاد, من اين للحكومة ان توفر مخصصات تلك الزيادة وخزينتها تعاني من عجز يبلغ مليار دينار بعد المساعدات? وانا اتفهم جيدا هذا التحدي, لكن التحدي الاكبر الذي سيكون امام الحكومة هو الحفاظ على استقرار المجتمع وامنه, وهذا يتطلب تحقيق الاستقرار المعيشي للمواطنين وضبطا حقيقيا للانفاق.

العرب اليوم