رداً على مزاعم «معاريف»

رداً على مزاعم «معاريف»
الرابط المختصر

بمناسبة جولة جون كيري الثامنة للمنطقة، وحديثه عن “تقدم ما” طرأ على مسار التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي، وبصورة تزامنت مع تقديم واشنطن “رؤيتها” للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية عند قيام الدولة الفلسطينية تروج “معاريف” الإسرائيلية  أن الأردن يفضل بقاء الشطر الغربي من غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية .

ليست هذه المرة الأولى التي  تروج فيها إسرائيل لمعلومات من هذا النوع ... وفي كل مرة كان يصدر فيها موقف إسرائيلي مشابه، كانت الحكومة الأردنية ترد بالنفي والاتهام: نفي أن يكون للأردن موقف كهذا أو أن لديه مخاوف من قيام دولة فلسطينية على حدوده الغربية... واتهام لإسرائيل بالسعي لزرع الفتنة ومحاولة تسويغ أطماعها في الغور وتسويقها على حساب الأردن في اطار مسعاها للسيطرة على الغور، توطئة لفرض سيادتها عليه.

الحكاية الإسرائيلية قديمة، ولقد نُسجت أولى خيوطها في أزمنة التأزم وانعدام الثقة بين الأردن ومنظمة التحرير في سبعينيات القرن الفائت وثمانينياته، لكن مياها كثيرة جرت في نهر الأردن منذ ربع قرن على وجه التحديد، أي منذ فك الارتباط بين الضفتين، وبالأخص في السنوات الأربعة عشر الفائتة، أي مذ تولى الملك عبد الله الثاني مقاليد السلطة، وهو الذي عُرف بتركيزه الشديد على “الأجندة الوطنية الأردنية”، ولم يظهر أي ميل من أي نوع، لتوسيع الولاية الجغرافية للعرش الهاشمي أو منافسة الأشقاء على السيادة في عقر دورهم على قاعدة أن الأردن هو الأردن وفلسطين هي فلسطين.

وذهب الأردن في عهد الملك عبد الله الثاني، إلى أبعد مدى في تأكيد موقفه القائل بأن قيام دولة فلسطينية مستقلة أو قابلة للحياة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، لا يشكل مصلحة فلسطينية عليا فحسب، بل ويعتبر مصلحة وطنية أردنية عليا كذلك، وخط دفاع أول عن وجود الأردن وهويته وأمنه واستقراره، وسيظل هذا الخطاب يتردد على ألسنة المسؤولين الأردنيين بلا كلل ولا ملل منذ بواكير عهد الملك عبد الله الثاني وبداياته وحتى يومنا هذا.

لكن ذلك لا يبدو كافياً على ما يبدو، لإقناع الجانب الإسرائيلي بأن الأردن لا يطمع بالسيطرة على الضفة الغربية ولا يطمح للعب دور بديل للدور الذي تضطلع به المنظمة والسلطة والقيادة الفلسطينية ... وفي كل مرة كانت فيه المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية تقترب من تناول ملفات الوضع النهائي، كانت “المصادر” الإسرائيلية تبدأ بالحديث عن محاولة أردنية لعرقلة انسحاب إسرائيل من الغور وتسلميه للفلسطينيين، في محاولة لزرع الوهم بأن إسرائيل جادة في الجلاء عن هذه المناطق، وأن ما يمنعها من فعل ذلك، هو الأردن وضغوطه التي لا تنقطع على الإدارة الأمريكية ؟!

مع أن القاصي والداني، يدرك زيف هذه الأكذوبة، فلا إسرائيل بوارد الانسحاب عن الغور ولا تفكيك المستوطنات أو وقف الاستيطان، ولا القبول بقيام دولة فلسطينية سيدة ومستقلة ... لكن لا بأس من البحث عن “شريك” لإسرائيل لا يرغب في رؤية الفلسطينيين وهم يبسطون سيادتهم على أرضهم، والأردن هو “أقرب” الأطراف التي يمكن إلقاء اللائمة عليها، وتحميلها أوزار التوسعية الإسرائيلية النهمة لابتلاع الأرض وتبديد السكان والحقوق.

غور الأردن، يحتل مكانة استراتيجية في نظرية الأمن الإسرائيلية، فهي الوصل لقطع التواصل الجغرافي والديموغرافي بين الفلسطينيين وعمقهم العربي بعامة، وامتدادهم الأردني بخاصة، وللغور موقع حاسم في “الحرب على الإرهاب”، ولمواجهة خطر “الجبهة الشرقية” التي تارة يتهم العراق بالسعي لإقامتها، وأخرى تتهم إيران بذلك، وإسرائيل ليست بحاجة لـ”مذكرة” أردنية لتجديد عزمها الاحتفاظ بسيطرتها على هذا الشريط الاستراتيجي والتلال المطلة عليه.

في مواجهة موجة الأكاذيب والمزاعم هذه، ولقطع الطريق على مشروع “الفتنة” الذي تسعى إسرائيل في إنفاذه، ومن أجل نقل الضغوط عن أكتاف المفاوض الفلسطيني إلى كاهل المفاوض الإسرائيلي، أقترح أن تشرع القيادتان الأردنية والفلسطينية ، في ترسيم الحدود بين الضفتين الشرقية والغربية، على أن يجري إيداع نسخة عن خرائط الحدود الدولية بين الدولتين الأردنية والفلسطينية في الأمم المتحدة.

ويستتبع ذلك حكماً “دسترة فك الارتباط”، وهو الأمر الذي رحبنا به من قبل، وفي هذه الزاوية بالذات، شريطة ألا تتحول عملية الدسترة إلى “فك الارتباط” بين الدولة ومواطنيها الأردنيين من أصول فلسطينية، وأن يتم الأمر برمته من على قاعدة التفاهم والتوافق بين مختلف الأطراف ذات الصلة، الدولة والشعبان والمنظمة.

لقد آن الأوان لترسيم الحدود مع الدولة الفلسطينية التي يعترف الأردن بها رسمياً على حدود 67، وبهذه الطريقة وبهذه الطريقة فقط، سيكون بمقدورنا أن نلقم بحجارتنا الصلبة، كل الأبواق النابحة بالأكاذيب والفتن والمؤامرات.

الدستور